عالم الاجتماع الفرنسي المذهل دافيد لوبروتون يتحفنا بكتاب آخر بعنوان: “أنثروبولوجيا الجسد والحداثة” ترجمته السنة الماضية الدار السعودية المتميزة صفحة سبعة، وفي ظني أفضل ترجمات هذا الرجل صدرت من هذه الدار، وصدقا ترجمات فريد الزاهي لكتب هذا الرجل أتجنبها ولا أدري سبب إصراره على ترجمته لها!
أسلوب هذا الرجل بديع مع كل كتاب، فمثلا نجده أسلوبه في كتابه “اختفاء الذات عن نفسها” الذي يبدو فيه شاعريا، غير كتابه “الحياة مشيا على الأقدام” غير أسلوبه في هذا الكتاب، ولا أدري هل للمترجم دور في هذا.
هذا الكتاب يتحدث فيه عن الجسد والحداثة، بداية من الخلق إلى الوقت الحديث أو ما بعده.
هناك تفاصيل حول نظر الكنيسة للجسد، وكذلك الطب، وتعجبت من تاريخ الجراحة حيث كان ينظر لمهنة الجراحة كمهنة محتقرة، وتصنف ضمن المهن الحرام، وكيف أن الطب ظل متراجعا عدة قرون بسبب الكنيسة، في الوقت الذي تجاوز فيه علماء الإسلام مراحل متقدمة جدا في الطب، ثم تحديث عن التشريح، والعمليات الجراحية، ثم تطور الطب العام، ثم جمالية الجسد اليومي، وطقوس إخفاء الجسد، والشيخوخة، وتقادم الجسد الأنثوي، والبدانة، وعمليات التجميل، والوشم، وزراعة الأعضاء -وهنا ذكرني بكتاب آخر تحدثت عن قبل أسابيع وهو كتاب التاريخ العجيب للقلب لفنسنت فيغيريدو حيث يتفق معه أن القلب ليس مجرد آلة للضخ- كما عرّج على النواحي النفسية والبيولوجية للإنسان الذي يزرع فيه العضو، وغير ذلك من المواضيع الحديثة التي تتعلق بالاستنساخ، وتأليل الإنسان.
كل هذا يخلط فيه العلم، بالفلسفة، بالأدب، والتحليل والنقد، ووفق سردية بديعة، وهذا ليس بغريب على عالم سبق وأن كتب الرواية.
كتاب مذهل.
