القائمة

ما يستحق المنافسة

في المرحلة المتوسطة كان معي في الصف زميل من قبيلة بني سليم، كان اسمه ضاوي فتى نحيل جدًا، بعينين صغيرتين جدًا، ومتفوق في مادة الرياضيات، وكان هناك بعض الزملاء في الصف ينافسون ضاوي في الأرقام، بالنسبة لي كنت أقضي كل الوقت مستغرق في أحلام اليقظة، أتخيل سيارتي الـ zx التي تسكن في قراج قديم مظلم في طرف المدينة، أتخيل أني أسحب عنها الشراع المغبر، ثم أقودها فجرًا نحو المدى.

كانت حصة الرياضيات حلبة منافسة حامية بين ضاوي والأقران على مدار العام الدراسي، وفي يوم من الأيام قطع الصمت أحلام يقظتي، لأن ضاوي وكذلك من ينافسه عجزوا عن حل المعادلة التي دونها المعلم في السبورة.

مسحت لعابة بعد أن استيقظت من حلم يقظتي، ووقفت أملي على المعلم حل المعادلة، وهو يكتب على السبورة وينظر لي باستغراب شديد!

نعم حليت المعادلة الصعبة، لكني رسبت تلك السنة في الرياضيات!

ومن الرياضيات إلى الرياضة، لقد أمضيت أغلب حياتي أستمتع بمشاهدة المباريات في الحواري، حتى عندما أذهب مع عيال الحارة للعب الكورة أفضل أن أكون حارس مرمى أو قلب دفاع، أحب رؤية الساحة كقائد غير محنك، يتلقى الغبار والهزائم، وكنت أحب أجواء التنافس بين العيال، لكني لا أدخل في منافسه مع أحد، في يوم من الأيام لم ينعقد أي تحد بين العيال في العزبة، توجهنا إلى ملعبنا في الإسكان، وكان الكابتن عيد إبراهيم يوزعنا في تلك العصرية المفرطة في عاديتها، كانت المباراة باردة، ثم  تقدمت مع الدقائق حتى أصبحت مهاجما، وهنا اكتشف الكابتن أن هناك لاعبا خرج لهم فجأة بعد سنوات من الخمول، أتذكر أنني سجلت في تلك المباراة ثلاثة أهداف، وصرّح الكابتن عيد إبراهيم أن الروح هي من يصنع المعجزات، وأنه كان سعيدا بأدائي، أتذكر الكابتن عيد إبراهيم، ذلك النحيل الأسمر عندما يلعب، كانت رؤيته وهو يلعب يكرس عندي أن المنتخب السعودي ينقصه لا عب واحد هو عيد إبراهيم، الشاب النحيل الأسمر، الذي يعمل في القاعدة الجوية، ويسمع عبدالله الرويشد، ويدخن كثيرا.

صدقًا لم أكن أحب المنافسة في حياتي لا في الرياضيات ولا في الرياضة، ولا في الدراسة، ولا في غيرها من أمور الحياة.

الشيء الوحيد الذي أراه يستحق التنافس منذ مراهقتي وحتى وقوفي الآن على مشارف الكهولة هو شيء واحد فقط، الحب.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 66

4 تعليقات

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *