كانت سنة عظيمة أخرى، فيها تفاصيل وأحداث.
صداقات أكثر عمقا وجمالا، وقرب أكثر من عائلتي، من أقاربي الشباب تحديدا، لقد أصبحنا أكثر قربا وشفافية، ونحاول أن نصبح أكثر صدقا، وأقل عقدا، وقد حدث.
ثم هناك مشكلة لها أكثر من سنتين، وكان حلها بيدي، لكن الانكفاء على المشاعر، والاستغراق في الذات جعلها تستمر وتتضخم، قبل أن يجتمع الأطراف قررت أن أدع حظ النفس والمشاعر المتطرفة، والانتصار لذات، وقررت أن أتحدث نيابة عن موكلي الذي هو أنا بما لا يفسد الود والمصلحة، لم يستغرق الأمر سوى خمس دقائق وحل الموضوع، استغراقك في مشاعرك قد يغرقك، تعامل مع عواطفك كطفل هبل وطحن مع النفس، ربما تحتاج إلى شيء يلهيها لتبتعد ثم لتقرر مرة أخرى، لا تكابر بسبب الأنا المتضخمة.
وفي كل أمور الحياة، لا تتطرف في مشاعرك وفي ظنونك، وتوقعاتك، وطلبك للأشياء، روق وح تضبط أمورك.
ذهبت للديرة عدة مرات، الديرة نعمة، وهي الآن في أجمل أوقاتها، نذهب نجلس بعيدا عن الضوضاء وأنوار المدينة، يسبق ذلك تجوال على المنصة لشراء الذخيرة من أجل الرماية، الرصاص الذي كان ممنوعا ومعدوما، أصبح الآن يأتيك بالبريد إلى بيتك، لتمارس الرماية في الديار، وتنافس في رمي الحراج، سوى سوى في الرماية، والدرابيل، والطعام الحقيقي، والحديث اللذيذ.
السفر جميل وخاصة مع صديقك يفهمك مثل علوان، فتشعر أن المكان لا يهم بقدر ما يهم الصاحب الذي يواكب الحركة والمزاج، والاهتمام، كرم، وخاطر طيب، السفر هو مرافقة صديق حتى لو كان المكان طوبة!
ماذا أيضا نعم، ذهبت إلى تبوك مع آمنة من أجل الحديث عن كتابنا “حديث الضفاف” كان أول لقاء بعد صدور كتابنا، وقد ذكر لي صديق مقرب لا يجامل، أنه وضع الكتاب على رفه الذهبي حيث كتبه القريبة من القلب، التجربة بحد ذاتها جميلة، تحدثنا عن الكتابة المشتركة، ووقعنا الكتاب، وتجولنا في مقاهي تبوك برفقة علوان، وأكلنا اللحم المشوي، وزرنا القلاع، وسكك الحديد، ولم نذهب للعقبة، فالحرب مشتعلة، والخواطر مكسورة بسبب غزة، غزة الذي أتمت الشهر الثالث وهي تقاوم.
صدرت مجموعتي “الحارة التي كانت” في معرض الكتاب بجدة، المجموعة التي فرحت بها كثيرا، وفرح بها الناس، نصوصي القريبة من القلب، والعنوان الذي كان يسبق العناوين السابقة، لكني كنت أصرف النظر عنه في اللحظات الأخيرة، الآن حدث وأن صار عنوانا.
سفرة عُمان الأخيرة فيها شيء عظيم، ناس عمان ونعم، ونعم جهدا.
العُماني يقدس الأصدقاء، يعتز بهم، الصديق يدعم صديقه، يقرأ له، ويكتب عنه، ويحدث عن نتاجه أمام الناس، في الأمسية الحوارية مع زهران القاسمي في معرض الكتاب بجدة، في نهاية الحوار سألته عن كتب يوصي بقراءتها، فذكر عددا من الكتّاب العمانيين هذا الدعم نبيل وعظيم، لم أقف على مثله.
في عُمان لم أستطع وقف سيل الدعوات، أي شخص يدعوني لحضور أي شيء أذهب معه، لقاء إذاعي، سهر، نوم في بيت صديق، نفطر في بيت آخر. هناك رغبة عارمة في قبول الدعوات، وقول: أبشر، سليمان المعمري الوحيد الذي أتمنى أن يقبل اعتذاري، فلا أستطيع أن أعمل مقابلة قبل الرحلة بساعات، آسف يا رفيق الصحراء والجبال.
في عُمان حتى الشيء الذي ذكرته بشكل عابر لا تزال تأتيني الاتصالات إلى الآن بخصوصه، أريد فأسا من نوع توم هوك، فانقلبت عمان للبحث عنه.
أريد “شوى” فصنعوه لي، أريد لبانا فنثروه في حجري، شكوت من أنفي فذهبوا بي إلى دكتور عراقي حل مشكلة الجيوب الأنفية التعيسة.
أتيت محملا بالكتب واللبان والأصدقاء، ناس حلوة، ناصر البدري، إبراهيم الصلتي، منى حبراس، صالح العامري، محمود الرحبي، جمال النوفلي، محمد الشحري، والرفيق الفاتن الذي عرفني عليه عبدالله حبيب خميس قلم الذي يفكر في الأصدقاء.
جميلة الحياة، لكن الموت..
الموت… الموت… وجه الوجود الآخر، هناك موت بالجملة في مكان ما، صادم ومروع، وهناك موت يجيد نزع الأحباب بفن وبراعة، وفي توقيت لا يجيد اقتناصه إلا هو.
أمس رحل الصديق عبد العزيز الطلحي الذي عرفني عليه أبي، قبل سنوات طويلة كانت له قريبة في مستشفى الحرس الوطني في ذات الغرفة مع أمي، امرأتان تصارعان السرطان، وهناك في الاستراحة رجلان متأنقان في وجه المصائب، أبي وعبد العزيز يتحدثان عن التاريخ، والأدب، والأنساب، والكتابة، عرفته هناك لهذا عندما وقعت له المجموعة القصصية “فقد” التي صدرت بعد وفاة أبي، كتبت له إهداء.. إلى رائحة أبي..، مات حبيبنا عبد العزيز الطلحي الذي يحب الورد والرمان، رحل بجمال وحب.. ورحل قبله طاهر ابن خالي، وعبد العزيز الغامدي، وعبد الله القرني أبو ياسر. وجدتي.. رحمهم الله جميعا.
..
عام جديد، أتمناه أن يكون مزدحما بالجمال والحب، والحضور الكثيف للأصدقاء والأقارب، والمزيد من الكتب الجميلة، والسفريات الحلوة، واللقاءات الصغيرة الثرية، والاتزان الرايق، والسعادة الهادئة والحزن المستوعب، والرضا التام دون قلق صغير لا نستطيع أن نتعامل معه.
عام سعيد للجميع