القائمة

الواقعة الخاصة بأموات أهله

بعد قراءة الثلاثية لمحمد عبد الجواد بداية بالصداقة كما رواها علي علي وانتهاء بالعودة الثانية للابن الضال، ثم أميرة البحار السبعة، خرجت بانطباع جميل فقد وقفت على كتابة فريدة وصوت خاص لشاب لازال في بداية مشروعه السردي.

 طبعا أجّلت قراءة رواية “الواقعة الخاصة بأموات أهله” لما بعد العيد، فالرواية التي يبلغ عدد صفحاتها أكثر من 600 صفحة ستكون المضاد الفعّال لغيبوبة شوال الطويلة.

اليوم انتهيت من هذه الرواية، بالنسبة لي أرى أن عصر الرواية الكلاسيكية انتهى بأمرين:

الأول: ظهور الذكاء الاصطناعي. والثاني: صدور رواية “الواقعة الخاصة بأموات أهله”

فالكاتب الذي بدأ مسيرته الروائية قبل ثلاث سنوات، نظر في الشكل الذي نشأ مع رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل وامتد لأكثر من قرن لم يغلق، فقد شرعت الرواية في البحث عن أبواب أخرى، مع نزوح البعض للتجريب بتطرف، أو اللجوء لسرديات أخرى أقرب ما تكون للسيرة الذاتية أو الغيرية، هنا ظهر محمد عبد الجواد ورأى أنه من النبل إغلاق باب الرواية الكلاسيكية بعمل يليق بالختام فكانت رواية “الواقعة الخاصة بأموات أهله” وهي رواية أجيال تشبه في شكلها وتعاقب أحداثها رواية “الحرافيش” إلا أن محمد -في ظني- استطاع شد خيوطه من البداية حتى نطقت أمينة الرز: “لا يوجد غير الرز ليستقبل الرز” بلغة سردية غاية في الأناقة والخفة، وإعمال ما يلزم أحيانا، وبقدرة هائلة في نحت الشخصيات من رمضان الرز، إلى سيف الدين، وخلق شخصية روائية سوف تخلد في الأدب العربي كثيرا هي شخصية حسين الرز، بائع البطاطس المقلية.

في الرواية الكثير من علامات النضوج السردي إحداها إعطاء كل شخصية -حقها ومستحقها- من الصوت الخاص بها، فحسن غير حسين، وأمينة غير در، وهكذا مع جميع شخصيات الرواية، مع توظيف الإيجاز والإطناب، وضبط إيقاع السرد، ومواطن التوتر السردي.

ثم الهبوط نحو الختام، والتأبين الظاهر/الباطن الحزين/الساخر، والذي يغلق معه محمد عبد الجواد ليس روايته هذه بل الشكل الروائي الذي امتد لنا من قرابة قرن، وجعله قريبا من الرفات، ومزج ذلك بشكل ساحر شمل نهايات الشكل مع رفات العائلة التي لم تتصالح إلا عند التداعي الأخير.

رواية بديعة، وروائي واعد قادم وبقوة، ولا ندري هل سيبقى عند الباب الذي أغلقه أم سيبحث عن أبواب أخرى.  

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 71

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *