القائمة

الاستقالة من أجل كتابة الفنتازيا

من أغرب ما سمعت به الأيام الماضية هو رغبة موظف حكومي بتقديم استقالتة حتى يتفرغ لكتابة رواية فانتازيا!

صاحبنا على يقين أنه سوف يقارع جورج آر آر مارتن وجي كي رولينغ بمجرد أن يترك مكتبه الرمادي الدبق بسبب بقايا الشاي الثقيل، ورماد السجائر وأحلام اليقظة!

وعلى الرغم من الانفتاح المعرفي والمعلوماتي الهائل الذي يصلنا عبر الميديا إلا أنه حتى هذه اللحظة لدى البعض أوهام حول الكتابة وعلاقتها بالثراء والشهرة!

يجهل بعض الكتّاب الجدد أنه ليس هناك صناعة حقيقية في سوق النشر في العالم العربي، هل تعلم عزيزي الكاتب أن أقوى الدور العربية لدينا تملكها عائلات كدار الآداب والدار العربية للعلوم ناشرون، غير ذلك دور مجتهدة، وأغلب الدور قائمة على شخص واحد، هذا الشخص لو أصيب بنزلة معوية لمدة أسبوع سوف يتعطل عمل الدار!

ثم هل تعلم عزيزي الكاتب الجديد أن الناشر نفسه يصدم إذا شاهد تقارير المبيعات في آخر العام لأن أغلب توقعاته عن الكتب التي كان يراهن عليها خابت، وأن الحظ نال تلك الكتب التي نشرها مجاملة، أو لأسباب ليس لها علاقة بالربح.

 لقد كتب صمويل بيكيت عشرات الكتب، بعضها لم يبع منه سوى بضع نسخ تعد على أصابع اليد الواحدة، فقط عندما عرضت مسرحيته “في انتظار جودو” عرفه الناس.

هل تعلم أن الكاتب باترك موديانو عندما أعلن عن فوزه بنوبل قبل سنوات، ذهب الناشر للقبو للبحث عن كتبه التي طمرها الغبار ولم يلتفت لها أحد قبل ذلك.

الأسبوع الماضي سمعت حوارا مع الروائي الجزائري عمارة لخوص ذكر فيه أن الناس في إيطاليا لم يعرفوه ويقبلوا على أعماله إلا عندما حولت روايته “كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك” فيلما سينمائيا.

مسألة أن تربط نجاحك بكتابة روايتك الأولى أمر مفرط في السذاجة، حتى لو كان عدد كلماتها مئة ألف كلمة يا عزيزي!

لن يقرأ لك سوى عدد محدود جدا، وسوف يتضايق الناشر من وجود روايتك في مستودعه، لذا سوف يبعث لك النسخ بمجرد انتهاء العقد.

ولا تظن عزيزي أنك إذا دخلت ورشة لكتابة الروايات الخيالية أنك سوف تنجح، ورش الكتابة هي مكان في أغلب الأحيان لتعزيز الوهم من أجل سلب مالك.

“كيف تكتب رواية رائعة” وهذا كذب من النوع الخرائي اللامع، ليس هناك شيء مضمون في الكتابة، حتى أعظم كاتب في العالم لا يستطيع أن يضمن لك كتابة رائعة!

يذكر ساراماغو أن الرواية مثل الجنين لا ندري كيف سيكون حاله بعد الولادة، هل سيكون مشوها، أم سليما، قبيحا أم جميلا.

ليس هناك شيء مضمون في عالم الكتابة، فهمت!

ومن أجل أن “أحوسها معك” إذا كتبت من أجل الحصول على جائزة، فلن تحصل عليها بنسبة كبيرة.

وإذا كتبت من أجل أن تتحول روايتك إلى فيلم لن تتحول أو ربما تتحول إلى سيناريو بسبب العلاقات، ومثل أغلب المشاريع السينمائية سوف يتوقف المشروع بسبب المنتج، وربما يتم انتاجه، ويصبح فيلما تعيسا ومسخرة.

تعرفون الشركة التي أنتجت مسلسلا من رواية عربية بقيمة ٢٠٠ مليون وقررت الشركة عدم عرضه بسبب الرداءة. كما قلت لك ليس هناك شيء مضمون يا صاحبي.

طيب “ناخذ لفة” عزاء على بعض الكتاب المشهورين وتأمل “حبتين” صاحبة هاري بوتر رفضت روايتها من قبل عشرات الدور البريطانية ثم نجحت بعد يأس كبير.

ستيفن كينق يرمي مسودة روايته الأولى في الزبالة وتخرجها زوجته ويقرر نشرها.

تعرف أن رواية سيد الخواتم لم تنقل إلى السينما إلا بعد نصف قرن من صدورها.

هؤلاء يتقاطعون في أمر ما، وقد يفيد الكاتب الواهم كثيرا، وهو عدم رفع سقف التوقعات، يسبق ذلك الشعور بالمرارة، والإحباط، واليأس، وربما لحظات بكاء أليمة.

الكتابة بحد ذاتها يا عزيزي منحة كبيرة، لكن النوايا التي خارج عملية الكتابة هي أوهام تبعدك عن الشعور الأسمى لها، نحن في النهاية نجرب، وهذه التجربة شرف لا تلوثه بالوهم المبالغ فيه.

عزيزي الموظف الحكومي نعلم أنك تشفط سقارتك الآن وتفكر في الاستقالة بشكل جاد، من أجل كتابة رواية فنتازيا، نعلم أنك في المرتبة السادسة، وراتبك يتلاشى منك قبل منتصف الشهر، عزيزي سوف تكون في نظرنا كاتبا عظيما لو كتبت روايتك وأنت على رأس العمل، وسوف نحترمك، ونقدر لك هذه البسالة، أتمنى أن يردعك هذا الكلام عن ارتكاب حماقة لا تستطيع أن تتحدث عنها مع أحفادك في المستقبل.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 76

3 تعليقات

  1. مبهج أن تقولها هكذا ببساطة
    لهذا تبقى الكتابة عصية إلا على الذين يكتبون ليتقاسموا مع الآخرين ما يفكرون به، وكفى بهم ذخيرة لكل من لايزال يرى جدوى الكتابة دون آمال عريضة وخائبة.

  2. لكن ألا تستحق محاولته الانتحارية الإعجاب؟ أليس بمثل هذا يُصنع الأدباء الحقيقيون الذي يسخّرون كل شيء لقضيتهم؟

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *