القائمة

إيمان القناص ووحدته

رجل يحمل بندقية تبدو «تشيكية» الصنع، يظهر ذلك من «خشيبتها» وخيمة «حبتها» التي فوق فوّهتها، كانت هذه صورة غلاف رواية «القنّاص» لزهران القاسمي، والتي صدرت عام ٢٠١٤م.
أنوار اللغة تشرق على المكان في مشهد شمولي بديع، يمنح الجبال والسفوح، والشعاب بهاء الحكاية، ترصد تحركات الوعل الرابض فوق قمة الجبل البعيد، والذي ويحك بقرنه ظهره، هكذا كان مطلع الرواية الذي كتب بلغة لا تخلو من الشعر، لغة تنسجم مع روح المكان وتفاصيله، فالرواية العظيمة شعر عظيم أيضا.
في البداية لا أدري عن أي بطل أتحدث هل أتحدث عن صالح بن شيخان أم عن المكان بصفته هو البطل الحقيقي لهذا العمل، لكن بما أن الرواية بعنوان: «القنّاص» فهو بطلنا الذي سوف نتابع تحركاته على المسرح الذي أجاد الكاتب تأثيثه بكل عناصر الجمال.
الرواية تسرد مرة بضمير المتكلم، وتارة بضمير الغائب، وأخرى يتدخل الراوي العليم، هذا التناوب لم يربك السرد، بل بدا الأمر سلسا، ربما يعود ذلك لسطوة المكان!
فضاء الرواية وتفاصيله تجعلك تطوي الصفحات دون رغبة في الإمساك بطرف خيط الحدث، الأمر يشبه أن تنزل مكانا فاتنا فلا تدري أي الطرق تسلك، لهذا نذهب خلف خطى صالح بن شيخان وهو يتتبع صيده في شعف الجبال، وحيدا.
فالجبال هي مأوى من يشعر بالوحدة، يقول صالح: «إن الإنسان كائن وحيد، يولد ويشب، ثم يبني بيته ويتزوج وينجب أطفالا لكن يظل وحيدا، خامرني ذلك الشعور وأنا على قمة العقبة، رأيت القرية في الأسفل، الأصوات المختلطة، التي تصل إلى مسمعي كانت لا تعني لي شيئا، شعرت بأنني كائن متوحش، يحب قمم الجبال، وإلا كيف أفسر تلك المتعة التي احتلتني، ولماذا بعد تلك السنين ما زلت آخذ عدتي وأجلس وحيدا في هذه البقعة الأكثر وحشة» فيلجأ صالح بن شخيان للصيد والصلاة، فالجبال كائنات الله العظمى، والسؤال المدهش، والإجابة الأشد نسفا، فتصاب بالرجفة عندما تمسح بنظرك الأصل والقمة، لهذا لا يستقيم إلا أن يكون صالح بن شيخان مومنا، ولا يرى في تنقلاته فوق ظهور الجبال إلا عبادة أخرى «خرجت من البركة لبست ملابسي، ثم أقمت الصلاة، زاد السكون من خشوعي في الصلاة، وحدي هنا، وحدي يا رب في ملكوتك الجبلي، ولم يتبق من العمر إلا القليل، وحدي أقف بين يديك، أنا الكائن الحجري المتآكل، لا أحمل إلا ذاكرتي وبعض الأمل»
هناك الكثير من الكلام الذي لا تستطيع هذه القراءة الانطباعية العجلى أن تستوعبه، فهناك المكان، واللغة، والتفاصيل، والرمز، والتقنيات السردية، والمضامين، والأسئلة التي عرف الكاتب كيف يختم به روايته، وفي نهاية تشبه البداية، حيث ينسل الضوء السردي بفن، وإبداع، لتنتهي الرواية البديعة كما ينبغي للأعمال البديعة أن تنتهي.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني كاتب، وروائي، ومحرر أدبي.

المقالات: 34

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *