أهلا رمضان

كل عام وأنتم بخير.

شهر رمضان عندي هو موسم عظيم على مستوى التأمل والقراءة والكتابة، هناك بركة عظيمة تنعكس على كل شيء، أنجزت في الأيام الثلاثة الماضية أعمال مؤجلة، كتابات مغلقة، مشاريع متعثرة.

في رمضان التلقي مختلف، السماع، المشاهدة، القراءة.

بركة شهر رمضان في شرطين بعد التجربة والعيش، هما النية والحرية، يبدو أن الأمر غامض عند البعض لكنه شخصي أكثر من كونه غامضا.

إن الحب الذي نستقبل به الشهر ينعكس على مضمونه وتفاصيله بعد ذلك، هي أشياء ليس لها علاقة بالورقة والقلم، والهندسة، هو أمر له علاقة بالنوايا الحسنة، بالحب، واحتساب الحركة، وتلقي النفحات.

في رمضان أرغب في التواصل مع من حولي، في المقابل هناك رغبة في الانكفاء، ثم كان من رحمة الله عليّ في هذا العام أن أصبحت في جوار الوالدة، ومع أشقائي، وهذه نعمة عظيمة. الحمد لله على نعمة قرب الأهل.

في رمضان أشياء صغيرة لو استطعنا أن نتعامل معها بنوع من الحكمة أعتقد سيكون لذلك أثره الجميل، فمثلا لماذا الخروج قبل الإفطار بساعة لشراء مأكولات تفيض عن الحاجة، لماذا الإصرار على صحن الفول على الإفطار، لماذا لا تتناول الفول بعد التراويح مثلا، لماذا تطلب من ابنك أن يذهب لمشوار يستغرق العصرية كاملة لشراء لقيمات وينتهي به الأمر لحادثة يتلف سيارته.

لماذا تجامل صديقك للذهاب لأماكن اللغط والزحام، التقي به في مكان هادئ، في البيت يا أخي.

الشراء للعيد، أين كنت قبل رمضان؟

الصيام ليس إمساكا عن الطعام والشراب فقط، بل عن العادات المزعجة أيضا، تعرف نفسك أنك إذا ذهبت لشراء السوبيا، لن تحتمل الزحام وقد تشتم الناس، لا تذهب. تعرف أن النصف ساعة قبل المغرب تتحول السيارات العادية إلى سيارات سباق، وتكثر الحوادث، وقد يدخلك صحن القلابة الذي تصر عليه في حرب أشبه بحرب النجوم، وقد تصدمك مركبة، وتهرس الرفرف عليك في أقل الأحوال، وربما تكون مسرعا أقل أو أكثر فتكون الصدمة في الباب فيتهشم حوضك، فتلبث في السرير إلى شهر الحج بسبب صحن القلابة.

نعم كل شيء بقدر، لكن تمتع بعقلك، وحاول تقنع زوجتك أن تؤجل ورق السمبوسة، وصحن ورق العنب إلى مابعد الزحام.

أمهاتنا العظيمات، لا تصنعن أكثر من صنفين للإفطار، وابنك إذا تبرم من قلة الأصناف وأراد أن يذهب لشراء القلابة فدعيه يذهب ليتهشم حوضه!

الذين تنتابهم نوبات الغضب، ويشتمون الخلق، ويعتدون على البشر بحجة الصيام، أظن أنك بحاجة لسجن انفرادي طيلة الشهر، هذه أقل عقوبة تستحقها، الإنسان الذي لا يهذبه الصيام لن تهذبه سوى العقوبات المغلظة، صدقا إذا كانت أخلاقك تسوء مع الصيام، فعليك إعادة النظر في حضورك في الكون، واعلم أن الله أباح الفطر لأصحاب الأعذار، وتذكر المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

تأمّل وأعمل التفكير قليلا، وغيّر الأشياء الصغيرة، وعلّق العادات القبيحة، وجدّد النوايا، وأبشر بالخير.

ثم مبارك عليك الشهر الفضيل.

*صحن الفول أعلاه يعرفه أهل الباحة فقط.