القائمة

وقت الكتابة

صدرت آخر رواية لي عام ٢٠٢٠م ما قبل هذا التاريخ كان الوقت مسخرا للكتابة، فطوال تلك السنوات -ويعرف هذا بعض الأصدقاء- كنت بعد الدوام الذي أقضي فيه معظم ساعات اليوم أعود للبيت للنوم مبكرا، ثم الاستيقاظ فجرا من أجل الكتابة، أكتب لمدة ساعتين متصلة هذا وقت الكتابة، بعد ذلك أقضي يومي في أي شيء، أيام الكتابة لا أقرأ، الذهن يكون مشغولا بالتفكير بالفصل القادم، غالبا الكتابة تستغرق من أربعة أشهر إلى سنة، هذه الكتابة الخام، ثم العمل مع المحرر حتى صدور الكتاب، وبعد ذلك التفرغ للقراءة حتى تأتي فكرة رواية أخرى ولا أدع القراءة حتى تكون الفكرة مُلّحة، ولقد صدر لي خلال تلك الفترة ١٥ كتابا ما بين روايات وقصص قصيرة وكتب أخرى في أدب الطفل والرحلات.

الآن تخففت كثيرا من هذا وأشعر أن هناك طريقا آخر للكتابة، وهو ليس الاستعداد لها وإنما مواعدتها، والمواعيد تأتي دون إرغام، تأتي بعد لقاءات الأصدقاء، وفي ثنايا السفر، وعند تأمل الجمال، وأثناء العيش في الفن، وعند القراءة الأخرى، هذه طريقتي في الكتابة مؤخرا.

هناك كتّاب آخرون استطاعوا أن يكتبوا وهم يكابدون الحياة، لكنهم كتبوا بهدوء وكانت مشاريعهم شاهدة على قدرتهم المذهلة في إدارة الوقت، فنجيب محفوظ لم يكن متفرغا للكتابة، كان موظفا حكوميا، وكان لا يكتب في الصيف ولا يمارس القراءة بسبب مشكلة في عينيه، رغم ذلك كان نموذجا للروائي الجاد والمثابر، والمدهش، لذلك من المضحك أن تجد من يشكك في استحقاق محفوظ جائزة نوبل!

وكذلك كان ممدوح عدوان حيث ذكر في كتابه “جنون آخر” أن أصحابه يستغربون نتاجه العزير وهو معهم على الدوام، ويسألونه “هل يومك سبعون ساعة؟” يذكر ممدوح عدوان أن الأمر ببساطة أنه يستيقظ مبكرا ويعمل لمدة أربع ساعات، ثم يذهب لشؤون حياته وينام العصر ثم يستيقظ ويعود للكتابة ما بين السادسة إلى التاسعة بعد ذلك يذهب للقاء الأصدقاء، يقول ممدوح عدوان “ليس يومي سبعين ساعة بل سبع ساعات ولكنه بالمواظبة والدأب والاستمرارية يصبح سبعين ساعة منتجة”.

أما الدأب فلم أرَ أعظم من الروائي الفلاح أرسكين كالدويل، الرجل الذي أمضى حياته في مراسلة الصحف لتنشر قصصه فترفض، وكان يزرع البطاطس طوال أيام العام ليتغذى عليها في أيام الشتاء ويتفرغ للكتابة.

وعندنا نموذج وطني رائع غازي القصيبي رحمه الله، الوزير والروائي والشاعر، والسفير، والذي لم يتوقف عن الكتابة حتى نهاية حياته، وقد أشار في إحدى مقابلاته لمسألة إدارة الوقت.

لقد ذهبت حجة “ليس لدي وقت للقراءة والكتابة” بعد أن أصبح الجهاز الذكي يبعث لك رسالة مفادها أنك تقضي أكثر من سبع ساعات في اليوم وأنت تبحلق في الشاشة المسطحة!

لقد كتبت هذه التدوينة لأن أحد الزملاء الجادين والمخلصين في جهة عملي صدرت له رواية، فنطق الجميع من أين لك الوقت.

*الصورة لشهرزاد أمريكا الجنوبية ايزي.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 90

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *