القائمة

والضحى

قرأ الإمام في صلاة المغرب سورة الضحى!

لا أدري هل كان يقصد الإمام أن يشير لأهمية الوقت مع بداية العام الجديد، أم أنه مجرد تزامن وربط مني، أتوقع الأخير؛ خاصة أن الأئمة عندنا لا يعطون مزيد عناية لأول يوم في السنة الهجرية لعدم وجود نص، فغيره من باب أولى!

على كل حال القرآن دائما يكرس أهمية الوقت، لهذا تجد أهل القرآن هم أحرص الناس على أوقاتهم، وهذا من بركة القرآن، وعظيم عطاياه، يليهم أهل العلم، وقد صنف الدكتور عبد الفتاح أبو غدة كتابا عظيما في هذا الباب سماه “قيمة الوقت عند العلماء” أظن هذا اسمه إن لم تخني الذاكرة.

نعود لسورة الضحى حيث خص المولى حبيبه ومصطفاه بهذا الحديث، في سياق يتدفق جمالا وحنانا، في البداية هناك إشارة للوقت وهي إشارة ظاهرة، وهناك إشارة باطنة للمعرفة وهي أعظم ما تعمر به الأوقات، وأعظم المعارف معرفة الله، لذا أتى الكلام الرباني مسليا للمصطفى عليه السلام بعد أن فتر عنه الوحي، وسخر منه كفار قريش لأن ربه تخلى عنه، فنزل الذكر الحكيم ينفي ذلك “ما ودعك ربك وما قلى” وربما يكون الأمر مجرد امتحان للمصطفى عليه السلام تجاه الوحي، والحياة، وقد ورد في الأثر أن النبي ضاقت به الدنيا، فلم يعد يرغب في الحياة بعد انقطاع الوحي، وكان يرغب في التردي من جبال مكة عندما انقطع عنه الوحي!

ثم كانت الطمأنينة الربانية، والكرم الإلهي العميم الجميل، وكأن الله يعده بالعطايا الجزيلة، لأن انقطاع الوحي كان عند المصطفى عليه السلام مصيبة كبرى وحدث جلل، لهذا وعده الله بالفضل بعد المصاب “ولسوف يعطيك ربك فترضى” ثم وفي لفتة قرآنية بديعة يذهب التوجيه للعطاء بعد أن ذكّره المولى بعظيم الهبات، فقد أكرمه بالإيواء تحت جناح عمه الذي لم يكن على دينه، ومنحه الهداية في الوقت الذي كانت تُعبد فيه الصخور، وأغناه بخديجة وما أدراك ما خديجة “وكأنه لم تكن في الدنيا امرأة إلا خديجة” لذا دل المولى الرحيم نبيه الكريم أن يكون عبدا شكورا، ويتكرم على أمته بالعطف، وجبر الخواطر، والعطاء، بل يذكره المولى بالنعم قبل النبوة في السورة التالية فقال سبحانه: “ألم نشرح لك صدرك” إنه الكلام الرباني العظيم الذي وجه السلوك البشري أن يسير وفق الغاية التي قررها الخالق، انطلاقا من الظرف الذي يُعمر بالحركة الظاهرة والباطنة، سواء الذاتي منها أو المتعدي، إنها سورة الضحى الأنس الرباني المتدفق، والنعم الإلهية العميمة. 

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني كاتب، وروائي، ومحرر أدبي.

المقالات: 56

2 تعليقات

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *