إذا اتفقنا أن الأدب لا يكون إلا بنص ومتلق، فمن هو المتلقي الذي تقصده، أو بشكل أدق من هو القارئ الذي يهمني في الدرجة الأولى، بالنسبة لي بعد أكثر من عقدين من الكتابة والنشر وجدت نفسي أن أهم القراء لنصي هم “عيال الحارة”!
لأن “عيال” الحارة هم الأشد حرصا على قراءة ما أكتبه، وبالتالي أي انطباع يصلني منهم هو الأهم، وهو أكثر الانطباعات يدخل في نفسي السرور والبهجة، ومن خلال نشري لعدة أعمال وجدت أن أكثر من يقرأ لي ويتابعني هم “عيال” النزلة، ثم عيال “قويزة” ثم “المنتزهات” ثم “الجامعة الشعبي” وقراء من الحواري المجاورة. طبعا يدخل مع هؤلاء الأقارب، هؤلاء هم قرائي الأهم.
أتذكر عندما تُرجمت أولى رواياتي للغة الإنجليزية، وفرحت بذلك فرحا شديدا، وصرحت لإحدى الصحف حينها أنني أسعد بأي ترجمة حتى لو ترجم عملي للغة منقرضة!
اليوم آخر اهتماماتي أن أسعى ليترجم عملي إلى لغة أخرى، ففي الوقت الذي يخفت فيه الاهتمام بعملي لدى قارئ محلي في مدينة أخرى من بلدي، أفكر ماذا يعني ذلك الحرص أو الهوس الذي يسعى له كاتب حتى يقرأ له قارئ غير عربي بلغة أخرى!
لأننا لو تتبعنا رحلة كل عمل محلي في العالم سنجد أن مصيره سيكون على رف صغير في مكتبة عامة أو في مكتبة جامعة أجنبية، قد يجذب في أقصى الأحوال دارس للأدب في ذلك البلد لدراسته، حتى الدراسة لهذا العمل سيكون تناوله من أجل مسائل نقدية أو استشراقية بحته.
لهذا بعد أكثر من عشرين سنة من الكتابة أقولها بكل صدق، أنا لا يهمني القارئ الأجنبي أبدا، يهمني أحد شباب الحارة يقرأ روايتي، ويتماهى مع عوالمها وأفكارها التي تعني له الشيء الكثير، وتناقش وتثير بعض الهموم الإنسانية المشتركة بيننا.
لهذا أهديت عملي الأخير “الحارة التي كانت” إلى عيال الحارة، الذين هم قرائي الأهم، ثم يأتي القارئ المحلي والعربي في الدرجة الثانية، بعد ذلك قد يكون هناك قارئ آخر، لكنه لا يهمني أبدا، إلا في إطار إنساني ضيق جدا، والأدب قادر على اختراق الزمان والمكان كما هو معلوم، لكن هذا الاختراق يأتي دون تدخل من الكاتب، ولو حاول التدخل فإن جهده لا يخلو من عبث، مع محاولة لتلبية شعور صغير نحو العالمية، في الوقت الذي لم يجد له قراء من أبناء جلدته، الذين يتعاملون مع الأعمال المحلية بفوقية أحيانا.
بالنسبة لي، أنا أكتب لعيال الحارة.
طيب وعيال أبحر؟
حياك يابو رغد..
نتجاوز الصدمة الحضارية بس 🙂