عندما ذهبت لتناول الإفطار اليوم، طلبت “معصوب” فقط، الشاب الذي أخذ الطلب كان ينتظر مني نوع المعصوب، قلته له: عادي.
وبالفعل، يبدو طلبي غريبا، لمجرد أخذ نظرة على الطاولات المجاورة.
أنا أميل للطعام العادي، لهذا أحب السليق، ربما يعود هذا لطريقة أسلافي في تناولي الطعام، فأنا لا أحب الطعام المعقد، ولا البهارات، أتذكر عندما كنت مع الأصدقاء في عُمان، ومعلوم عشقهم للبهارات، ربما يعود ذلك لقربهم من بعض الحضارات العتيقة، فذكرت لهم أني لا أحب البهارات، فنعتني أحدهم بأني “إنسان بدائي” ربما هذا صحيح نوعا ما، خاصة إذا عرف أننا في تهامة لم ننزح للمدن إلا قريبا، فلدينا مشكلة مع بعض أشكال التحضر، فقد كان أبي يمقت المتأنقين جدا، كان أبي رحمه الله يلبس العادي من الثياب، والأبيض منها، ويهتم بالعمائم، لأنه يردد دائما: “العمائم تيجان العرب” لهذا كنت أذهب معه قبل كل عيد إلى عمارة الملكة لشراء غترة “العطار” عدا ذلك كان كل شيء في حياته عاديا، كان نظيف الهندام إلا في حال قدوم الضيوف فإن الكرم يشغله عن الهندام، فترى على ثيابه غبارا من حلقة الغنم، ودما لأنه يذبح القرى بنفسه، ثم “الله يحييكم” وسحقا للمناظر، كان أبي عاديا جدا إلا ما يخص المعرفة، لقد كان رحمه الله يهتم بمكتبته اهتماما بالغا، لقد كان متأنقا معرفيا.
وبما أننا نتحدث عن العادي، فهناك ما يخص الجمال؛ عندما كنت صغيرا كنت أندهش من بعض النساء اللاتي كن يبالغن في وضع الزينة، لقد كن دون الأصباغ أجمل، وهذه القناعة زادت عندما كبرت، لكن خفت الرغبة في مواجهة كائن جُبل على الزينة، والتدثر بالحُلي، لهذا يتساقط النساء من عيني بمجرد رؤية أثر عملية تجميل وإن كانت صغيرة، يتساقطن من عيني ” كثمار مشمشة عجوز”.
وأحب من الناس العادي، كل “هين لين” غير متقلب المزاج، الذي تجده صادقا، غير متلون، ولا مدع، يتحدث معك بلهجة واضحة دون تكلف ولا تقعر ودن إدخال لغة على أخرى، ولا يطمر لهجته خوف العيب والنقص.
مؤخرا انشغلت بتشطيب منزلي، وأخي “خضران” هو المشرف على عملية التشطيب، وكان كلما سألني عن رأيي في شيء يخص البيت، سواء الدهان، الديكورات، البلاط، التطبيقات، الإنارة، أكتفي بقول: أبغى شيء عادي، وهي كلمة محيرة في هذا السياق أكثر من كونها مريحة.
ماذا أيضا؟ الحديث في هذا الباب مترع بالتفاصيل، والحكايات، لأنه يتعلق بالذائقة، والخيار الذي هو أعظم ما زرعه الله في الإنسان.
أكتفي بهذا الكلام، فلو جبرت نفسي على الكتابة، لخرجت هذه الكتابة بلا روح، لأن الكتابة لا تفسد إلا حين يدخلها الادعاء ومحالة قول: أنك غير عادي.