حدث ذات مرة في جائزة

قرأت ما كتبته الأستاذة إيمان العزوزي حول الجوائز في نشرة ثمانية بعنوان: لماذا أرفض الجوائز؟ طبعا ذكرت في المقال لحظة شعورية وقت المنافسة تتأرجح ما بين الفرح والأسى، هذا الموقف ذكرني بحادثة لا زلت أتذكرها حتى الآن رغم مرور أكثر من عامين عليها.

قبل ذكر الحادثة لا بد من تقرير بعض الأمور، بداية الجوائز ليست معيارا، فمثلا لك أن تتصور أن رواية مثل “القبيلة التي تضحك ليلا” العام الماضي، ورواية “الواقعة الخاصة بأموات أهله” هذا العام لم ترشحا في الجائزة العالمية للرواية العربية رغم يقيني أنها وصلت للجنة الجائزة!

الأمر الآخر لا بد من الانتباه أن الاهتمام بالرواية التاريخية في الجوائز ليس بريئا، لا أقصد هنا الروايات التي توظف التاريخ أو الموروث وإنما الروايات التي عندما تنتهي منها لا تخرج منها بشيء سوى أنك ذهبت لخمسة قرون سبعة قرون للوراء ثم عدت للمستقبل، الروايات التاريخية في ظني ينطبق عليها مفهوم الرواية الإجرائية التي تحدث عنها من قبل الدكتور عبدالله العقيبي في مقالة له بعنوان “الرواية الإجرائية” الرواية التي تكتب من أجل الترف والتسلية وتعجب الجوائز كونها لا تخوض في القضايا الراهنة التي قد تمس الآني، الجوائز الموجهة تحب الروايات التاريخية!

أمر آخر لأحبابي الذي لم يتوقفوا عن نيل الجوائز، لا يهمني ما قد أوصم به، لكن صدقا لماذا في حال كسبت جائزة مرموقة تسعى لكسب جائزة مرموقة أخرى، لماذا لا تدع فرصة لرفاقك، تدع مساحة للبهجة والفرح تدخل قلوب أحبتك من الرفاق والزملاء، لماذا هذا الهوس بـ “التكويش” الرغبة في أن “تخم” كل الجوائز، وترصها على رف مكتبتك، كن نبيلا وفكر بغيرك كما يقول محمود درويش!

ندخل على القصة، طيب وجهت لي دعوة لحضور جائزة قبل سنتين تقريبا، حضرت كضيف ولست مشاركا، وأنا أحب الحضور لمشاهدة الفرح أثناء الجوائز، ومشاركة أصحاب الفوز والذين هم في الغالب أصدقاء وزملاء، طبعا لم تكن تلك المرة الأولى في حضور تلك الجائزة، نزلت الفندق، وقابلت الأصدقاء، هناك وكنا قلة لأن أغلب المثقفين في فعالية ثقافية أخرى ليس لها علاقة بالجائزة!

التقيت بجميع من فاز، والذين قد سبقونا بأيام من أجل عمل البروفة لتسليم الجائزة، والمعروف من خلال تتبع دورات الجائزة، أن الفائز يقوم بعمل بروفة قبل يوم التتويج، قابلت أحد الأصدقاء وقد عمل بروفة، باركت له بالفوز، باركت لجميع من قابلته في بهو الفندق، هذا الصديق صدقا لم يكن متأكدا من فوزه، لكن هناك قرائن قاطعة بالفوز في مجاله، خاصة أنه هو الوحيد في المجال الذي ينافس فيه، وقد عمل البروفة في المسرح، وأصبح الجميع يبارك له، في المساء حضرنا حفل التتويج الباذخ، ثم أخذ المقدم يعلن أسماء المرشحين والفائز في كل مجال، كل الأمور تسير وفق التوقعات، جميع من قابلتهم في الفندق وعمل بروفة فاز بالجائزة، عندما أعلن المقدم المجال الذي رشح فيه صاحبنا، كانت المفاجأة أن الذي فاز شخص آخر أتى أثناء الحفل، بالرغم أن الفائز صديق أحبه وأقدره، وهو بلا شك يستحق الفوز، إلا أن ما حدث للصديق الآخر كان أمرا بالنسبة لي لا يخلو من إهانة، لقد أدى هذا الصديق دور الكومبارس، مثقف محترم، من المفترض أن يعامل بنوع من التقدير يجد نفسه مجرد كومبارس، لقد غضبت من أجله، كيف يعامل بهذه الطريقة المهينة!

الصديق تغرّز بما حدث، وعاد إلى مدينته بخيبة كبيرة، وأنا غسلت يدي من الجوائز وعدت إلي جدة، وانتهت القصة بهذا الشكل الذي لا يرضي من لديه ضمير واحترام.

تواصلت معي الجائزة هذا العام لدعوتي لحفل التتويج فاعتذرت، إذ لا ينبغي التقليل من شأن أحد من أجل تتويج آخر.       

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 129