في طريقنا للقراءة -والقراءة فعل عظيم- ونحن نبحث عن كتاب جيد، يحدث في كثير من الأحيان أن نتعثر بكتب رديئة، هذا أمر طبيعي طالما حدث ذلك أثناء الطريق، وعرفنا أنها كتب رديئة وتوقفنا عند ذلك، لكن القارئ القمّام بخلاف ذلك.
كلنا نعرف أن الحيوانات القمّامة وظيفتها أن تستهلك الحيوانات النافقة، وقد تدعو بعض الحيوانات الأخرى لمساعدتها في تلك المهمة، هذا الفعل يمارسه البعض بفجاجة، ونراه كثيرا في فضاء الشبكة ووسائل التواصل، شخص يستهلك الرديء من الكتب، ويروج لها، إما للمنفعة أو المجاملة أو بحكم الشلة، يحدث هذا؟ نعم يحدث، هل هو أمر غريب؟ لا طبعا، طيب ما المشكلة؟
مشكلتي مع القارئ الذي لا يتوانى عن الثلب والسخط وتدمير الأعمال الإبداعية بحجة أن ذائقته رفيعة وأنا من المؤمنين بأن هناك ذائقة رفيعة، وأن هناك ما يحول بين تذوق الجمال أحيانا، لذا يتفاوت الناس في الذائقة نعم، لكن هناك حوائل وموانع تمنع الترقي في سلم الذائقة، ربما يدعي بعضهم أن هذا رأيه في عمل ما، أو هذا ذوقه، في النهاية هناك اعتبار للرأي وللذائقة، حتى الآن نحن في منطقة تسع الجميع، مشكلتي -وآسف على الاستطراد السابق- أن يأتي أحدهم ويسلخ هذا العمل ويسفّل في ذاك، ولا يتردد عن أي وقاحة تجاه أي عمل وعندما يتناول أعمال أصدقائه الرديئة أو المتوسطة يتحول إلى كائن وديع، ويتفنن في المدح والثناء، ووصف تلك الأعمال بالخلود، والاستثناء، فقط من أجل الصداقة، ولزوم الشلة، وربما المنفعة والوصول خاصة إذا كان صاحب الكتاب يتقلد منصبا في جهة ما.
“المبالغة” في مدح كتاب جيد مذموم فمالك بالعمل التعيس، وفي هذا يقول توماس مان: “نعم؛ تحول فنانو اليوم إلى نسور عاجزة عن الطيران نتيجة المبالغة في الاحتفاء بهم، وهي العملية التي طرأت على الفن وأورثته آثارا سلبية كئيبة، بل حولت الفن إلى نسر عاجز عن الطيران، حولته إلى نسر وحيد، منكسر النفس ومنعزل لا يفهمه أحد”
ثم هناك صنف آخر قراء “المزز” الذين بمجرد أن يشاهدوا وجها جميلا أصدر كتابا، تضرب عندهم معايير الفن والإبداع، ويفقدون السيطرة حتى على اللعايب، ويكفرون بكل ما درسوه وتعلموه وامنو به، لأنهم يبتغون الوصول، فيقتاتون القمامة ويروجون لها.
قبل شهور كتب أحدهم اعتذارا في الفيس بوك لأنه مدح أعمالا وكتب عنها وهي لا تستحق، فأتت التعليقات من كل حدب وصوب من مثقفين اعترفوا أيضا بمقارفة نفس الفعل.
لماذا حبيبنا المثقف قوّى قلبه واعترف لا ندري، ولا يهمنا، الذي يهمنا أن هذا الرجل مارس التضليل في العلن، ومدح ما لا يستحق المدح، وهناك مئات ممن يدعون صيانة الثقافة لا زالوا يمارسون نفس التضليل والزيف، وعندما تناقشهم، يرفعون راية اختلاف الذائقة.
سبق وقلت الدلالة على الكتب أمانة، والقارئ الذكي يدرك تضليل البعض أثناء الحديث عن كتب أصدقائهم، وأن انطباعاتهم مجرد مجاملة لصديق تعجبه لعبة المجاملة والتصفيق، ربما الشيء الذي لا يدركه الكاتب أثناء ذلك أنه الخاسر الوحيد في تلك اللعبة.
ثم هناك الجماهير التي تتهاوى على عمل بسبب اسم المادح أو اسم الممدوح والموضوع أن هناك سطوة تأخذ بألباب الجماهير فلا تستطيع أن تخالف السائد، سرب من الأسماك يتم توجيهه هنا وهناك والمستفيد الناشر من كل هذا الهبل، نحن بحاجة لقارئ مستقل، يقرأ بتجرد ويقول رأيه دون أي اعتبارات لأشخاص، انحيازه فقط للنص، علينا أن نتحمله طالما نعرف صدقه، وتجرده، نحن بحاجة لهذا القارئ.
نعم؛ القارئ الجيد يثق بذائقته، حتى وإن ذاق بعض الاغتراب بسبب اختلافه مع الذائقة الجمعية، الغربة أفضل من خيانة الذائقة.
