“هذه الرواية كاملة” وصف أجده في كثير من المراجعات على بعض المواقع المعنية بالكتب، هذا الوصف يستوقفني كثيرا، ويجعلني أتأمل في الكتابة وفعل القراءة خاصة أثناء قراءة الأعمال الأدبية الكبرى.
الشهور الماضية قرأت رواية “دون كيخوته” واستوقفني في العمل الموطن الذي فقد فيه سانشو حماره بعد المعركة الأليمة التي خاضها برفقة فارسه النبيل، فبعد صفحات عاد السرفانتس لسرد أحداث الملحمة بحضور حمار سانشو، لكن المترجم عبدالرحمن بدوي بعد ذلك وبهدوء دون في الحاشية أن السرفانتس يبدو أنه نسي أن سانشو فقد حماره!
إذن هل تسقط هذه الرواية الملهمة بسبب ذاكرة السرفانتس التي بدأت تخذله!
هنا أتذكر قبل سنوات كتبت مقالا حادا عن رواية لرجل بدأت تخونه ذاكرته، ثم التقيت بأستاذنا فايز أبا وحدثني كيف تكون كتابة الفنان في هذا الموطن، إنها دروس الكتابة، ربما أتحدث عن هذه القصة في وقت آخر.
نعود لحديثنا السابق، الأدب يا سادة ليس وثيقة، ولا مادة علمية، وعلى مستوى فعل القراءة لن يصلك الجمال، وأنت بيدك سكين ذات حدين تريد أن تطعنه من أجل العقد المتراكمة في داخلك والتي ليس لها علاقة بالكتابة والأدب.
لقد أمضيت بعض عقود العمر وأن مثل ضبع بمجرد أن يرى خطأ صغيرا في كتاب إلا وينقض عليه، لينهشه ويبعثره!
السؤال؛ هل تسقط الرواية بسبب هنات معرفية أو فنية صغيرة، لا طبعا!
نحن نقرأ رواية يا سادة ربما من أجل سطر، نحن ننشر كتابا من أجل فصل جيد، لقد دفع أحدهم كتابا لسهيل إدريس ونشره رغم أن الكتاب لم يعجبه لكنه وقف على فصل فيه لا يكتبه سوى فنان فنشر الكتاب!
لقد قرأت رواية للروائي السوداني عبدالعزيز بركة هذا الرجل كتب رواية بعنوان “مانفيستو الديك النوبي” افتتحها بفصل من أجمل الفصول التي كتبت في الأدب العربي الحديث، يكفي هذه الرواية ذلك الفصل.
التعاطي مع الأدب ليس كالتعاطي مع الكتب العلمية والمعادلات الرياضية، إن الهفوات البشرية مبهجة أحيانا خاصة عند أولئك الذين يكتبون بفن.
لقد التقى يوسا بالمترجم صالح علماني ذات مرة، وأخبره المترجم الخبير أنه وقف على خطأ معرفي أثناء ترجمته إحدى روايته فرد يوسا: أخطاء التلاميذ سيدي!
الكبار فقط هم من يستوعبون التعاطي مع الأخطاء.
لقد كتبت مشهدا في إحدى رواياتي وكان محتدما بالمشاعر ويبدو أني تماهيت مع المشهد فحدث أن خلطت بين الأسماء، إنها الهفوة التي تحدث وأنت لست على ما يرام.
أنا على يقين أن كثيرا من القراء وقف على ذلك الخطأ لكنه مر عليه وهنا نستطيع أن نصف هذا المرور أنه كمرور الكرام، وهناك شيء آخر غير الكرم، وهو الحب، عندما تقرأ بحب فإنك سوف تتعامل مع الأمر بإنها هفوة صغيرة، لكن هذه الأخطاء سوف يفرح بها الساخط، وفي الغالب لأسباب ليس لها علاقة بالأدب.
إن الأدب حالة إنسانية ومن الضروري أن تنعكس على الكتابة، من حيث الضعف، وعدم الكمال. ووجود الأخطاء، التي هي من شيم البشر.
العمل الأدبي قائم على التخيل، والمشاعر والمعرفة، وكلما كانت هذه المعرفة نتيجة تراكم ذاتي وليس بحثا مباشرا من أجل كتابة ما كان ذلك أقرب للتعاطي مع القراءة حتى وإن حدث بعض الهنّات، لأن تلك المعرفة أقرب للصدق، وبالتالي اختلاطها بالسرد والعوالم المتخيلة يجعلنا أكثر مغفرة لها في مظانها.
إذن ما الذي نحن بحاجة له؟ ببساطة نحن بحاجة لقراء أسوياء، يجمعون بين الخلق الرفيع، والنقاء الداخلي، وروح المعرفة، وهنا قد تكون القراءة ذات جدوى خاصة ونحن نقرأ الأدب.
صدقت وسلمت على هذه التدوينة
أحيانًا عنوان يجعلني أقتني كتاب
افتتاحية تأسرني وهكذا دواليك
ولا أخفيك متشوق لجديدك رواية كانت أم قصصًا
دام إبداعك و زادك الله من واسع فضله