تقلّب بعض الأعمال الحديثة سواء العربية أو المترجمة فتشم رائحة الذكاء الاصطناعي يفوح منها، لم أتصور في يوم من الأيام -خاصة عندما كنت أسمع بعض الأصوات تنادي بالاهتمام بكتابة روايات الخيال العلمي- أن يأتي وقت لن يكتب هذه الروايات بشر وإنما برامج لديها قدرة عجيبة على صف الكلمات، وصياغة الجمل، وتحريرها، وأمرها أن تعمل ذلك بذكاء، ثم تدقيقها لغويا، بل وتصميم أغلفتها من وحي أحداث الرواية، كل هذا يحدث الآن عن طريق الذكاء الاصطناعي!
تشعر أن الموضوع لا زال في بداية الأمر لتكتشف أن هذا الوباء انتشر بشكل مرعب، الكتب، المقالات، الدراسات، الأطروحات الأكاديمية، المراسلات البريدية.
تُحَكِم وتحرر عشرات المسوّدات التي تأتي من الناس والأصدقاء ودور النشر فتجد أغلبها خرج من هذا المصنع، تقرأ عشرات الكتب ثم تغسل يدك بعد قراءتها، تنظر في أغلفة الإصدارات الجديدة فتذهب لتجلد كتبك القديمة لتحافظ عليها.
تذهب إلى كتاب ليس له علاقة بالأدب، وتصدم بأن الترجمة آلية أيضا، فتترك كل ما في يدك وتذهب للممشى المجاور لعل بعض السخط يذهب، فتجد عشرات البشر يرافقون كلابهم من أجل أن تتمشى، عشرات الكلاب يصرفون عليها آلاف الريالات من أجل طعامها، وتنظيفها، وتقليم مخالبها، وقد يرافقونها إذا أصيبت بإمساك، أو التواء بسيط، أعرف بعض هؤلاء يمر شقيقه بمأزق صحي ومالي ولا يسأل عنه لأن خيره مسخر للكلاب.
ما أريد قوله أن التعامل مع المزاج غريب جدا، هناك تفاصيل تتظافر لتخلق مزاجا عكرا، وتتدخل تفاصيل صغيرة لتحسنه.
هذا اليوم ربما أفسد مزاجي الذكاء الاصطناعي والكلاب، وربما ساهم في تصعيد ذلك تداعيات العمر، لكن اللبيب من عرف كيف يتعامل مع مزاجه بفن وهدوء.
ما نعرفه أن المزاج سريع التعكير، وما لا نعرفه أنه سهل الرضا، المزاج ببساطة طفل.
لهذا من يكدره الذكاء الاصطناعي، فعليه أن يتجنب مظانه، ومن تسخطه الكلاب في الممشى عليه أن يتخلى عن الممشى ويبحث عن مكان آخر. يقول الشاعر الذي يحبه أبي كثيرا:
وفي الأَرضِ منأى للكريمِ عنِ الأَذى
وفيها لِمَن خاف القِلى مُتعزلُ.