“الكتابة؛ هي الملاذ من الضياع” كما يقول نجيب محفوظ، لذا هنا تدويناتي، ويومياتي، وتفاصيل أخرى حول الفن والكتابة، والحياة.
ثنائية السرد الحميم
العظيم في فن الرواية أنه فن متجدد، يستوعب كافة العناصر، ويتخفف منها، يعتنق التقليدية، ويتبنى التجريب، كما أن مفهوم الرواية يتهدم، ويتشيد بحسب الوعي، إنه يتخلى عن كل شيء حتى تصبح الرواية مجرد لغة في غابة مظلمة تتطاير فيها الكلمات كالفراشات كما فعل حسن مطلك في رواية “دابدا” أو ربما تصبح فضاء من اللاوعي أحيانا مثل ما أحدثه خوان رولفو…
العودة متأخرا إلى منزل العائلة
بعد تخرجي من الثانوية، حدث وأن خرجت من المنزل، بعد نقاش حاد مع أبي حول القرارات وحق الخيار، وكان هذا أول خروج لي من منزل العائلة. سكنت في حي الجامعة الشعبي في منزل صغير جدا، لم يكن في المنزل سوى فراش في الزاوية، وتليفون يتصل بخط أرضي، أرفع السماعة آخر الليل فأسمع وشوشات الناس، بسبب الخطوط المتداخلة، أنصت لحكايات سكان الحارة،…
تجربة في ورش الكتابة
أريد أن أقارب المسألة من زاوية التجربة الشخصية في موقعين: موقع المتدرّب، وموقع المدرّب في ورشة. فقبل عشر سنوات، حضرت أول ورشة للكتابة، وكان يشرف عليها الروائيان بهاء طاهر وإبراهيم نصر الله، والناقدة زهور كرام. ذهبنا إلى ليوا، وهي امتداد لصحراء الربع الخالي. كنا عشرة كتَّاب من جميع أنحاء العالم العربي، من مسقط شرقًا إلى طنجة غربًا، وكان مكان الورشة…
مِنح أبي
نشأ أبي يتيما، وتزوجت أمه من رجل آخر، ثم عاش أبي في كنف الله، يجابه الجوع، والفاقة، يقول جدي شهوان عن أبي: كان رضيعا، وكانت تأتي شاة من الجبل كي ترضعه. وقد عاش أبي يملك عددا من البلاد، لكن لا يجد ما يقتات عليه، يلفه إزار قذر، ويبحث في الشعاب عن المغارات والظلال، حتى شب، وتزوج، تذكر جدتي حمامة: أن…
تصوري عن الشغف
عندما خاض الناس في الحديث عما سيحدث ليلة ١ يناير عام ٢٠٠٠م كنت وقتها في محاولات لحفظ بعض الأبيات من منظومة عبيد ربه على متن الآجرومية، كان لدي رغبة في تعلم النحو، المادة التي أرهقتني خلال سنوات الدراسة القاسية، فقررت تجربة أخرى وهي قراءة متن الآجرومية على شيخ شنقيطي في مكة. فكنت أذهب كل يوم إلى مكة عصرا وأعود إلى…
قدر الحلم والمهنة والكتابة
كان أبي يتمنى أن أكون قاضيا، وكانت أمي تتمنى أن أكون جنديا بعد المتوسطة! أما أنا فمن وقت مبكر جدا، كان حلمي أن أكون معلم رسم! هذا الحلم هو ما جعلني أكمل دراستي لأن أغلب زملائي وأقاربي كانوا يكتفون بالمتوسطة في ذلك الوقت، والاستثناء منهم من أخذ الشهادة الثانوية. كنا نتوظف حتى نساعد أهلنا على نوائب الحياة، أو على أقل…
في حب العادي
عندما ذهبت لتناول الإفطار اليوم، طلبت “معصوب” فقط، الشاب الذي أخذ الطلب كان ينتظر مني نوع المعصوب، قلته له: عادي. وبالفعل، يبدو طلبي غريبا، لمجرد أخذ نظرة على الطاولات المجاورة. أنا أميل للطعام العادي، لهذا أحب السليق، ربما يعود هذا لطريقة أسلافي في تناولي الطعام، فأنا لا أحب الطعام المعقد، ولا البهارات، أتذكر عندما كنت مع الأصدقاء في عُمان، ومعلوم…
قطارات هرابال
نعود للحديث عن السرد التشيكي بعد أن تحدثت عنه في تدوينة تشكوسولفاكيا تعود على الخريطة، وأقول قليلة هي الروايات التي تجعلنا نعود إليها مرة أخرى، وفي كل مرة نخرج من القراءة الثانية، أو الثالثة، أو العاشرة، بدهشة متجددة، وهذا ما حدث معي في رواية “قطارات تحت الحراسة المشددة” للروائي التشيكي بوهوميل هرابال، فقد قرأت هذه الرواية مرة أخرى، هذه الرواية…
تشكوسولفاكيا تعود على الخريطة!
“تشيك” دولة تحضر عندما نلامس نقشاً على بندقية “برنو” أو نتصفح رواية لكونديرا، تشيك وطن الأدباء المؤثرين في العالم، فلا أحد ينكر الأثر الذي أحدثته عوالم كافكا العجائبية، وكذلك كونديرا الذي شكل مفهوم الرواية الحديثة خلال مشروعه السردي الكبير. في البداية لم يعجبني كونديرا رغم أني قرأت له أعمالاً كثيرة لأسباب كثيرة، هذا الانطباع تغير بعد سنوات طويلة، بسبب أسلوب…
عن بعض مباهج الكتابة
بعد الألفية خرجت من حارتي، وسكنت حي الجامعة الشعبي، وهو من الأحياء الشعبية الكبيرة، ويتكون من عدد كبير من الحواري المتجاورة، هذا الحي الشعبي الكبير والقديم يقابل صرحنا التعليمي العظيم جامعة الملك عبدالعزيز، وقد كنت في ذلك الوقت أدرس فيها منتسبا، وموظفا بأمانة جدة على نظام بند الأجور وراتبي لم يتجاوز الألفين إلا ببضع ريالات فقط، وكنت متزوجا، وأنا بعد…