قبل شهر وأنا في روما مع أقاربي، كنا قد قررنا الذهاب إلى برشلونة لكن حدث أننا لم نجد رحلة لأننا في إجازة آخر الأسبوع، طبعا تحدثت عن الرحلة في تدوينة سابقة، على كل حال كان من المنبغي اختيار وجهة أخرى غير برشلونة، ونحن في الصالة في الشقة القديمة في روما بين رفوف الكتب والتماثيل الرخامية، وبما أني الأكبر سنا، فقد تولوا هم مهمة اختيار الواجهة، وكانت الوجهة بودابيست، في حياتي لم أفكر يوما في الذهاب إلى المجر، لكن حدث وتم الاختيار وانطلقنا إلى هناك، وصلنا ليلا، درجة الحرارة تصل أربع درجات إلى درجتين فجرا، ونحن في الطريق المظلم بين الحقول تذكرت مشهد انتوني هوبكنز في فيلم “الأب” عندما ردد في آخر الفيلم “أريد أمي.. أريد أمي” وصلنا إلى الشقة، مبنى قديم من أيام الفترة الاشتراكية، الشقة كانت من الداخل على الطراز الحديث، أنيقة ونظيفة، ولوحات فنية حقيقية لا تخلو من الإيحاءات الجنسية، ارتدينا ملابسنا الثقيلة ونزلنا المدينة، التي يغلب عليها حضور الإناث على الرجال بشكل ملفت، ربما يعود ذلك بسبب هجرة الرجال للبحث عن فرص عمل أخرى، خاصة أن البلد يعاني اقتصاديا، هناك تذهب إلى المطاعم، والمقاهي، والساحات فلا تجد سوى النساء، هنا نحن بحاجة إلى هشام مطر ليكتب رواية أخرى!
في اليوم التالي ذهبنا للتنزه، ومشاهدة المدينة التي هي عبارة عن مدينتين في السابق بودا/بيست والتي ويفصل بينهما نهر الدانوب، مدينة ملهمة وفاتنة لولا بعض الجلافة في أهلها.
جلسنا في حديقة جميلة وكان فيها بعض الطلاب الذين يقومون بأداء مسرحي صامت، على المقعد المجاور فتاة تقرأ كتابا، وكعادتنا عندما نرى شخصا يقرأ، فإننا نقوم بالتلصص في محاولة لقراءة عنوان الكتاب، وبالفعل كانت رواية مشهورة، ثم أخذت أفكر في سبب اختيار تلك الفتاة لرواية “فرانكشتاين” فذهبت إلى أن ذلك يعود لأزمة حضور الرجال، فهذه الفتاة تريد أن تخلق رجلا، وربما تريده بمواصفات غير تلك التي كانت لدى من خذلوها من قبل.
طبعا عرفت فيما بعد أن نسخة من فيلم “فرانكشتاين” ستعرض بعد أسابيع برؤية المخرج غييرمو ديل تورو.
شاهدت الفيلم الأسبوع الماضي، كان رائعا، هناك صورة، ورموز، وإسقاطات، وأداءات جميلة، في الفيلم استوقفني مشهد تيه فرانكشتاين وضياعه في الغابات إلى أن وجد العجوز الأعمى، الذي تحدث معه عن الخوف، وضرورة الأمان، وعدم الحكم من خلال المظهر، والحدس الذي يأتي مع الصوت، والمشاركة في المأوى والطعام والدفء، والامتنان للرفقة والصداقة ، ثم المعرفة، وقراءة أول قصة له، قصة بدء الخليقة، ثم قراءة الأدب، وبعد ذلك أتت الأسئلة، فطلب منه العجوز الذهاب من أجل البحث، فذهب ثم عاد بعد أن عرف الحقيقة، هذا الجزء العظيم الذي لم يتجاوز العشر دقائق كان مدهشا وعميقا جدا.
بعد مشاهدة الفيلم تذكرت فتاة بودابيست التي في الغالب كانت تبحث عن شيء يدور حول تلك المفاهيم الكبرى.
