القائمة

ما أفكر فيه اليوم

العودة للأرشيف

هذا العام تكرست لدي قناعة بالاكتفاء بما جمعته في أرشيفي الخاص على مدى الأربعة عقود الماضية، كتبي، ومجلاتي، وأغنياتي، وأفلامي، واختياراتي القديمة.

مؤخرا لا أستطيع أن أمنح كاتبا لا أعرفه فرصة للقراءة، لن أقرأ مقالا لكاتب لم يظهر إلا بعد الذكاء الاصطناعي، أو روائي ظهر لنا فجأة دون سابق إنذار، أو مخرج ظهر للتو وأخذ ينظّر في الفن، وهو بعد لم يشاهد أفلام فيدريكو فيلليني وعباس كيارستمي، لن أشاهد أفلام الخلاطات، ولا الأغاني الفقاعية، ولا روايات الفاست فود. 

لا يعني هذا أني أصادر الفن عن فئة ما، ولكن الرغبة في السلامة والبعد عن الخيبات ولو كانت صغيرة، واليقين التام بأن المكوث في أرشيفي القديم والأصيل هو الأجمل والأسلم، إنها الرغبة في العيش مع مفضلاتي القديمة ومصافحة الأسماء التي كبرت معها مرة أخرى.

وأنا على يقين أنه على الرغم من قتامة هذا التصور إلا أن هناك أشياء جميلة قد تحدث قادم الأيام وتبعث الأمل من جديد.

الطعام الرديء

منذ أن توقفن الجارات عن إرسال الطعام لبعضهن البعض حدث أن نزعت البركة من كل شيء، فلا النساء أصبحن يطبخن في البيوت، ولا المطاعم أصبحت تقدم طعاما يصلح للاستهلاك الآدمي.

 بعيدا عن الجودة والاعتبارات الذوقية التي نحلم بها، الطعام خارج البيت مبالغ في سعره، وليس هذا فقط بل رديء جدا، سواء ذلك الذي يُقدم في مطاعم مشهورة وعالمية، أو حتى في المطاعم الشعبية.

البوفيهات الصغيرة لم تعد تجلب سوى أشباه الجبن والحليب، ومشروبات مصبوغة بألوان فاقعة، وخبز بائت من ثلاثة أيام!

لهذا أرى من الضروري فرض شروط على جميع المطاعم والبوفيهات بوضع شروط ومعايير عالية جدا حتى نضمن الحد الأدنى من الجودة.

 الأمل في عودة مطبخ البيت كما كان، وإعادة النظر في مسألة الأكل “من برا” والذي لا يعود على أجسادنا بخير.

العداوة في الطريق

في طريقي للعمل وسبق أن تحدثت عن هذا أحاول أن أعتذر للناس على تصرفاتهم في الطريق، لذا أتجنب ذلك بالتزامي للمسار الأيمن، بعيدا عن التصرفات التي تنم عن عالم مأزوم يقود نتيجة ردات الفعل، سوف يتعامل معك الآخرون على أنك شخص منافس وتريد أن تتجاوزهم لأنهم أدنى منك، أي تصرف منك أو تنبيه لسيدة تقود ربما تفسره بأنك ذكوري مقيت مستاء من حقهن في قيادة السيارة، هذا غير البشر الذي يمرون بأزمة نفسية هائلة، فهذا يعاني من وضعه المالي، وذاك من مديره المعتل في عمله، وتلك التي تعاني من زوجها المعنف.

قبل سنوات أظن جاسم المطوع أو غيره لا أدري يذكر أنك إذا أردت أن تعرف شخصا ما، سواء أراد أن يتزوج ابنتك، أو أردت أن تشاركه في عمل تجاري، لا تسأل المقربين منه، شاهد قيادته فقط، وأنا أتفق معه تماما، هل تريد معرفة سلوك شخص ما، شاهد سلوكه وهو يقود سيارته، لا تشعره بمراقبتك له،  أو راقب قيادته من بعيد، السرعة، مراعاة النظام، عدد مخالفاته المرورية -هذه اسأله بشكل مباشر- وحق المشاة، التقيد بوسائل السلامة، مدى التزامه بالمسارات، سيارته من الداخل، كيف يتعامل مع بقايا الطعام والمشروبات في السيارة إلى آخره.

هذا الكلام أتى بعد حديث مع أحد أقاربي مستاء من أي شخص يقود سيارة كامري، فأحببت أن أخبره أن الأمر أكبر من ذلك.

قطن

أنا ألبس القطن من سنوات طويلة، نحن في الحجاز – أقصد بعضنا- يحب القطن فهو مريح جدا، بارد في الصيف، دافئ في الشتاء، ملمس القطن مريح جدا، بياضه طبيعي، يحتاج إلى مراعاة ما، وفيه عيوب كل الأشياء الطبيعية، فهو يتجعد بمجرد اللبس، وعند الذهاب لمجتمعات لا تلبس القطن -كأن تذهب للرياض أو الشرقية مثلا- سوف ينظر إليك بشفقة، وربما يهمس أحدهم في أذنك لماذا لا تكوي ثوبك، أو ربما تردد سيدة “مسكين”.

القطن يجذب الروائح، الجيدة والسيئة على حد سواء، رائحة البخور، والعطور، والرطوبة، والبهارات، والدخان، روائح الشارع والمحال، لهذا يستعمله بعضهم في المناسبات فقط، لكن مشكلتي أنا هو استخدامي اليومي له، فأنا لا أتحمل ما يسمى بالسلك الصناعي، تضيق بي الدنيا عندما ألبسه، لذا اكتفيت بالقطن وهو أمر مكلف.

جربت كل أنواع القطن الياباني والهندي والإندونيسي، والأوروبي والمصري، ثوب القطن عمره ستة أشهر بعد ذلك يتهتك ويذوب ويعود للأرض.

السنوات الأخيرة بدأت ثيابي تتمزق مبكرا من مكان محدد، تحدثت مع الخياط فأخبرني أن الأمر لا علاقة له بالخياطة وهو على ثقة من ذلك، وهو خياطي من سنوات طويلة، لأكتشف فيما بعد أن السبب يكمن في حزام الأمان الخاص بالسيارة فقد تبين أن طرفه حاد! 

القطن الذي أحبه ويباشر جسدي طوال اليوم مثله مثل كل الأشياء في هذه الحياة له وعليه.

بماذا أفكر أيضا؟

نعم أفكر في غزّة.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 87

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *