القائمة

النُجاة

“الحواري لا يخرج منها ناجحون، بل ناجون” هذا ما ذكره لي الصديق عبدالرحمن مرشود ذات ليلة، والنجاة بلا شك أعظم شأنا من النجاح، لأن معايير النجاح تتفاوت، لكن النجاة واحدة!

أنا وعبدالرحمن عشنا في حواري شرق الخط السريع، لنا أصدقاء ماتوا نتيجة جرعة مخدر زائدة، وسجن الكثير منهم، وبعضهم تناثرت أشلاؤه في مواطن النزاع، وبعضم لم يحتمل العيش ومات منتحرا.

أنا لست كاتبا، وعبدالرحمن ليس مفكرا، نحن نجاة ببساطة!

أن تنشأ في الحارة في الغالب أن والدك من ذوي الدخل المحدود، أمك أمية، وهناك ديون تحيط بالعائلة، أتذكر أبي رحمه الله عاش كل حياته مديونا، وعندما انتهى من الدين، التهمه السرطان.

لا أستطيع أن ألوم أبي لأنه لم يدرسني في مدرسة خاصة، ولا أستطيع أن أعتب على أمي التي كانت أعلى أمانيها أن أذهب للعسكرية بعد المتوسطة، هذه سياقاتنا في الحياة.

لذا عزيزي الذي عشت كل حياتك في الحارة، عندما تسمع أحدهم يتحدث بنوع من المباهاة حول نجاحاته، وأحلامه في مقابلة تلفزيونية، أو عبر البودكاست وعن اتقانه عدد من اللغات في صغره، وقدرته على العزف على أكثر من آلة موسيقية وهو لا زال في سنواته الدراسية الأولى، ثم عن تخصصه الدقيق في النانو، أو في بناء المستعمرات البشرية في المريخ، وتنقله لإكمال دراسته الأكاديمية في عدد من البلدان الأجنبية، ومن ثم نيل العديد من المناصب، وحصد الجوائز والنجاحات، على المستوى الاكاديمي والمهني، عندما تسمع كل ذلك، عليك أن لا تنسى أنك حزت على أعظم من كل ذلك أنك نجوت! 

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني كاتب، وروائي، ومحرر أدبي.

المقالات: 56

4 تعليقات

  1. لم أكن راضيا عن إسمي كما أنا الآن، لا شي يشبة جبر الخواطر، ولا شي يشبة من يصبح جابر، لذلك أحببت جابر، بسبب صفة الجابر، وكذلك أنت يا طاهر ، تجبر خاطر الناجين، وتطهر قلوبهم من نقصٍ اعتراهم، وهم منة بريئون، وعيب يلاحق أرواحهم، واحساس بعدم الكفاية ينهش أفئدتهم، ويقض مضاجعهم،
    لا يعلمون أن شهادة النجاة تكفيهم من كل هذا العناء،

    ربما يدركون يوما ما، وربما لا يدركون …لكنهم يبقون من الناجين العظماء

  2. هو اليأس الذي يشوبه عدم الرضا، نتيجة عقدة نقص تفتعلها نفس ملهوفة على مافي أيدي المحيطين به، يتبع رغبة كبرياء سقيمة بأن تجعل منه بطلاً.
    أرض المعركة لا تختارها وبما أنك عشت مختارًا في حارتك الصغيرة فذلك ينفي موجبات النجاة!
    حقبة زمنية لم يكن الأنترنت فيها من أساسيات العيش كما هو الحال في الوقت الحاضر، حينذاك الحياة صبغت الجميع مدن وقرى ، أحياء كبيرة أو حواري بصبغة واحدة إن اختلفت درجات لونها فهي لا تتعدى كونها لونا صحراويا يتوهج نهارا ليخفت ليلاً.
    في الصحراء لا يمكن للمساحات الشاسعة أن تنال حظ أوفر من قرينتها الأقل إتساع.
    أولئك العازفون على الآلات التي تجهل أستخدامها لايتعدى كونهم صنعوا آلة بما جادت به الصحراء من أسلاك معدنية وعلب فرغت حاجات أصحابها منها. أو قد يكون ” العود” ليس غيره!
    أولئك الدارسون في البلاد الأجنبية قد يرون أنهم النُجاة الوحيدين فهم في منفى ترتعد فرائصهم من الشتاء القارس، لا أنترنت هناك يرون فيه لهيب الصحراء التي يشتاقونها.
    ثم بعد عمر طويل يعودون لينقلوا ذويهم من الحواري لحي صحراوي أكبر تمارس فيه طقوس الحواري الفرق الوحيد أن العدسات أقل من أن تلتقط معاناتهم كما تفعل عدسات الحواري الموضوعة بتركيز عالي الدقة. فقط بضع المعرفة، وبضع الدراهم وبضع الراحة وكثير هي ظروف الصحراء التي لايمكن لأحدهم أن يسقط من رحى أيامها حتى ذلك الذي أبيه لا يشكو هم الدين ، فالصحراء دوما تطالبه بديون التعايش ، الطفرة، وقلة المستثمرات لإمكانياته، أماكن قاحلة صاحب المال لا يجد بدا من أن يصرفها لإمتلاك المزيد من الماشية، المزيد من الأراضي الجدباء إلا من النخيل .قد يكون هناك عباقرة دفنتهم بقسوة الجاهل حينما لم تفهم لغتهم أو حاجتهم ثم تأتي لتحدثنا عن النجاة لأنك لم تختر طريق اصدقائك؟! لم تكن الحارة من أجبرتهم على خياراتهم تلك التي ذكرتها أنت في حديثك عنهم بل هو فقط التمرد على أركان الصحراء المتشابهة، هي طفرة المتعة وطفرة الوفرة و …
    لماذا لم تجبرك الحياة أن تسلك مسلكهم؟! أو لست في الظروف عينها؟! لا تخبرني أنها النجاة!!
    أنت نجوت من نفسك حينما لم تقودك للطريق الذي اختاروه ولكنك لم تنجو يوما من الصحراء لست أنت وليس حتى سكان الأحياء الكبيرة !!

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *