الصداقة من الأشياء النادرة والعظيمة في الحياة التي ينبغي أن نقاوم من أجل أن تبقى، صحيح أن الجميع يعاني في العصر الحالي من أزمة في الصداقة، لكن الحقيقة أن هذه العلاقة رغم ندرتها إلا أنها حاضرة، وهناك أصدقاء ترتقي صداقتهم فوق المادة، والاعتبارات البشرية الأخرى، العظيم في الصداقة أنها تتنافى مع الفردانية التي تكرسها الثقافية المادية، الإنسان العربي أصيل، وقد وضع اعتبارات كثيرة لهذه العلاقة الخاصة، فلو مررنا على التاريخ لوجدنا الكثير من الشواهد حول الصداقة، ولو نظرنا للدين فإننا نجد أنه راعى مفهوم “الصحبة” الذي يكاد أن يكون مقدسا “لا تسبوا أصحابي” “فهل أنتم تاركوا لي صاحبي”.
الحديث عن الصداقة متشعب، لكنه لا يقبل التعقيد، وعلى الصديق أن يستوعب صديقه، ويعرف ما يسره وما يزعجه، لضمان هذه الصداقة وصقلها، وعليه أيضا أن لا يكون انتقائيا، فلا يوجد إنسان كامل، لهذا كانت المكاشفة صيانة لها.
فلت مني الكلام، لكن ما كنت أريد قوله قبل هذا الحديث أن الأصدقاء هم امتداد للإنسان، وبهم يكتمل، هناك الكثير من الأحلام لم أحققها، وحققها الأصدقاء، هناك الكثير من المهارات لم يكرمني الحظ بها، لكن نالها الأصدقاء، هناك الكثير من المواقف النبيلة لم أستطع أن أفعلها تصدى لها الأصدقاء بالنيابة، هناك الكثير من الفرص والنجاحات والمسرّات والمباهج لم نحصلها إلا بحصول الأصدقاء عليها، كم تمنيت أن يكون لدي أكثر من لغة، كم تمنيت أن أحصل على معرفة ما، كم تمنيت أن أخوض تجربة ما، وكم من محاولات تقديم المساعدة أو التوجيه، أو الاستشارة، أو غير ذلك من محاولات البذل والعطاء المادي والمعنوي لم أستطع أن أقدمها بسبب عجزي، ومحدودية قدراتي، وقام بها الأصدقاء، لهذا أنا أكتمل بالأصدقاء، وهذا العزاء يبعث في النفس الرضا، والبهجة، والمزيد من القناعة، والرضا.
لهذا قد أكون صارما تجاه من يقلل من شأن الصداقة، أو ينظر لها بمنظار عدمي، لأضعه في خانة أخرى ليس لها علاقة بالصداقة.
نعم أنا قيمي تجاه الصداقة التي بها أكتمل، وأرى أن الحياة قابلة للعيش طالما أن هناك علاقة بشرية نبيلة قائمة مثل علاقة الصداقة.
كتبت هذا الكلام تحت تأثير ما كتبه الصديق أحمد مشرف قبل أيام في مدونته تحت عنوان: عن العيش كشخص عادي في المنتصف.
*الصورة: لأحدهم يتجول في المدينة بعد أن قام بسرقة تيشيرت صديقه.