لقد بقي على تقعدي المبكر أقل من سنتين، ربما الفكرة بالنسبة للبعض ثقيلة لكنها بالنسبة لي منسجمة مع الحالة التي أعيشها منذ سنوات قليلة، الجلوس الكثير، محاولة التأمل التي تتحقق أحيانا من خلال الكتابة، التخفف من الشوائب، وأعشاب الحياة الضارة، الصداقات الخفيفة، التخلص من الأعباء، التوقف عن التعلم بمعناه الأكاديمي طبعا، عدم الإكثار من المعلومات، ضبط التلقي، يكفي ما شاهدته من أفلام خلال العقود الخمسة الماضية، يكفي ما سمعته من أغاني، ومحاضرات، وبرامج، ربما الشيء الفاتن حتى الآن هو مشاهدة الأفلام الوثائقية، التوقف عن التحدث عن أشياء لا تعجبني، التوقف عن الوقاحة تجاه شيء لم يعجبني، أنا الآن في طريقي إلى الانتهاء من جميع التزاماتي المالية، أحاول أن أتقبل فكرة التعايش مع الأوغاد الذين لا يرون أنفسهم أوغادا والبخلاء الذين لا يرون أنفسهم بخلاء!
السفر فرصة أيضا لمحاولة النظر في التصرفات، لقد كنت على قناعة أن فكرة التنقل في السفر لا تناسبني، لكن سفرتي الأخيرة أثبتت خلاف ذلك، فقد كنت أنتقل كل ثلاث ليالي إلى بلد آخر، لأكتشفت أن الإنسان يجهل نفسه فكيف يدعي أنه على دراية لفهم الآخرين، الإنسان كائن مقعد وساذج إنه في الوقت الذي يدعي فيه أنه يفهم الآخر لا يعلم أنه ببساطة يختزله في صورة ما، ثم يثبتها ولا يرغب في إعادة النظر فيها مرة أخرى، نعم إنه الإنسان الذي يجهل نفسه.
هدووووء، أعجبني تعليق وقفت عليه قبل فترة يقول: “ستدرك في آخر عمرك انك كنت شادها ع الفاضي” في كتاب جون كوبر بويز “فن الشيخوخة” في الفصل الثالث من الكتاب الذي تحدث فيه عن السعادة، ذكر أن هناك نوعين من السعادة، المتراخية، والثائرة -أو شيء زي كذا- عندما تحدث عن السعادة المتراخية وهي الممتدة، قال الطريق إليها بأن “تلملم شتات نفسك” نعم لا تشدها في أشياء لا تستحق أو أشياء لم يعد الوقت مناسبا لمقارعتها أو معالجتها، قضية تافهة بينك وبين شقيقك بسبب الزوجات، دعاوى مع خالك الذي سلب حق أمك منذ سنوات الفتح، سعيك للمرتبة التاسعة في الوقت الذي بقيت على المرتبة التي قبلها خمسطعشر سنة، تحاول أن تجري عملية تكميم بعد أن صاحبت كرشك أكثر من أربعين سنة، لا زلت ترفض فنجال الشاهي في العزائم لأنك لا تشرب السكر، تفكر في ترك التدخين بعد رؤية حفيدك الأول.
أو رغبتك في تعلم اللغة الأسبانية بعد مشاهدة مسلسل البروفسور!
هدووووء، الأمر ليس بحاجة لفلسفة رواقية، بعد إدمانك لمقاطع التحفيز العقد الماضي، لا سوف أختصر لك الأمر، تخيل أنك سوف تموت بعد أسبوع من الآن، ماذا ستفعل؟ وماذا ستشعر بعد كتابة وصيتك التي ربما تكون عبارة عن سطر واحد، لتكتشف أنك بالفعل “كنت شادها ع الفاضي”.
تراخى!
