القائمة

كل الكلام

قبل أسابيع أعجبتني تدوينة لإيمان أسعد، حيث تذكر أن روايتها كادت أن تصل لقائمة البوكر لولا بعض الأسباب، مع ضربة حسرة برؤوس الأصابع على الطاولة، هذه التدوينة بالنسبة لي أفضل من كثير من الأعمال التي ترشح هنا وهناك في قوائم الجوائز، والجوائز كما يقول ماركيز -عندما ذكر أن جميع من تأثر بهم، وجميع من يحبهم من الكتاب لم ينالوا نوبل- فذكر أن “الجوائز لا تستحق، وإنما تقع!” شيء وقع عليك بينما أنت في الطريق، أنت واهم إذا كنت ترى أنك تستحق لأن هناك من كان أفضل منك ولم يحصل عليها، هذا رأي ماركيز بالجوائز.

ما أريد قوله أن تدوينة إيمان هذه لن نجدها في أي مكان في العالم سوى في المدونة، وهذه عظمة التدوين، وهنا أتذكر ذلك التعليق الذي مر عليّ هنا، حيث فهمت من المعلق أو المعلقة، أن هناك نقمة طبقية في التدوينة التي كتبتها، لا تحضرني التدوينة الآن.

لكن ليكن! 

أليس هو مكان يخصني، ويخص خواطري إذن سأتحدث بما أريد، والقارئ عليه أن يتعامل مع ما أكتبه هنا في هذا الإطار، وإن بدا لا يعجبه فالعالم مليء بما يسر الخاطر، فهناك ملايين المقالات والتدوينات الجميلة تستحق القراءة، هناك الكثير من الكتب الرائعة التي تنتظر على الرفوف.

التدوين نوع من التطهر، أشعر بحزن فأكتب، أشعر بحنين فأكتب، أشعر أن المزاج ليس على ما يرام فأكتب، فيصبح كل شيء على ما يرام.

بعض أصدقائي لم تعجبهم مسألة التدوين هذه، يرون أن هذا سيكون على حساب الرواية، ولا أدري إلى متى يريدون مني أن أكتب الرواية، لقد كتبت بما فيه الكفاية، هناك الكثير ممن يقابلني ويعترض على التدوين، وهو ربما لم يقرأ لي رواية، ثم أن كتابة الرواية عندي ضرورة، إذا لم تكن الفكرة ملحة ولم تمنعني النوم والطمأنينة لا أكتبها، العالم يفيض بروايات الترف، هناك من يفتح كتاب التاريخ ويبحث عن حدث يمكن توظيفه روائيا، وآخر ينبش في أرشيف صحف عام ١٩٧٢م ويجد حادثة تنفع أن تكتب رواية، يا أخي الذكاء الاصطناعي سيكتب لك الرواية التي تريد، تحدثت معه أمس لأول مرة في حياتي عندما شاهدته في الواتس آب، وكان أول سؤال سألته: هل الرواية في خطر؟ قال: هناك أشياء كثيرة تشكل خطرا على فن الرواية، منها الذكاء الاصطناعي، خاصة إذا لم يراع الجانب الأخلاقي.

على كل حال سيكون الابتكار في خلق الأحداث في الرواية قادم الأيام ليس مبهرا، ربما تكمن بعض قيمة الكتابة في الذاتي، واليومي.

أحمد ولدي يقرأ في الفنتازيا كثيرا، قبل أيام وجد روايتي “عالم منصور” بين الكتب أخذ الرواية وقرأ كان مستغربا، ويضحك أثناء القراءة، ربما لم يكن يتوقع أن والده يكتب تلك الكتابة العارية، أغلق الرواية وقال: “أنت محلي بزيادة” وأعادها للرف، وفي يقيني أنه في يوم من الأيام سيعود لتلك الكتابة.

مؤخرا أصبح الحديث عن الذكاء الاصطناعي حديث الناس، خاصة بعد البرنامج الصيني الذي حاس شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، الصراع الحديث نحو امتلاك أسلحة الدمار الاصطناعي.

الجميل في هذا التوقيت أني ذهبت للقاهرة، المدينة العريقة التي تقاوم الحداثة بشكلها القميء، المدينة التي تذكرني بجدة قبل أربعة عقود، عبق الماضي، التاريخ، والبساطة، والقرب من الناس، والحنين الحنين، الطعام الطعام، والبعد عن المثالية، والتواصل الجميل، والاتصال البطيء بالنت، الذي يدفعك للنظر في تفاصيل المدينة، والسهر في وسط البلد، والمشيء في الزمالك، والاستمتاع بالنظر في النيل ليلا.

أعود وأقول أن الرائع في التدوين أنه يستوعب ما نريد قوله أكثر من أي مكان آخر في العالم، وهذا ما تريد أن تقوله هذه التدوينة.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 64

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *