كائن مؤقت

يحرص الإنسان على البريق، الثوب، والهيئة، والمنصب، والطبقة الاجتماعية، يحب رؤية صورته في الجوال، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، أنيق جدا، ويكتب بعبارات ساحرة، وبليغة، يهتم بجسده يلبس تيشيرت ضيق من أجل أن يلفت أنظار الصبايا. كله تمام.

لكن في الداخل الأمور ليست على ما يرام، كثير من العاهات والأمراض لم تعالج منذ سنوات البراءة، لقد نشأنا في المدينة، وأصبحت لنا صورة جيدة من الخارج، ومتداعية من الداخل، الصلابة لم تعد سمة الكائن الحديث، لا ألوم أجدادي على قسوتهم لقد كانوا قساة جدا، لأن الحياة لم ترحمهم، لقد ذاقوا الجوع، ووقفوا أمام الأوبئة، وخسروا أطفالهم، ولم تكن المساحي تفارق مناكبهم في انتظار القطر، لقد عانوا الخسارة، والفاقة، ولم يكن لديهم وقت للشكوى لأن حقولهم تنتظرهم. ولم يكن لديهم وقت للكآبة لأنها ترف.

الإنسان الآن زاد فوق تداعيه الداخلي، بؤس العالم والظلم الذي يراه هنا وهناك، صور الحروب مثل ما يحدث في غزة الآن، والمجاعات مثل ما يحدث في رقاع متناثرة في أفريقيا، رعب الآلة الصهيونية، التخاذل لعدم ردع الغاشم والمحتل، والإنسان المسكين الذي يملك بعض الضمير ينظر وهو فاغر، والذي يدعي أنه لا يهتم هو لا يشعر بمدى تراكم الصور والمشاهد في داخله، زد على ذلك لو كان يكابد فقرا أو دينا، أو فقدا، أو مسؤولية كبرى تتربع فوق كاهله، ماذا عن الأطفال!

لهذا يتداعى الإنسان الحديث ويصبح قوقعة للإحباط، والإنسان المحبط كائن مؤقت، قد يخرج للعالم بلا ملابس وبيده رشاش يطلقه على أطفال يلعبون في فناء مدرستهم، آخر ينحشر بين مصلين وهو يلبس حزاما ناسفا، أو في أقل الأحوال يصعد ناطحة سحاب ويلقي بنفسه من فوق، أو يموت بجوار صديقته نتيجة جرعة مخدر زائدة.

هناك جملة تتكرر دائما عندما يتهاوى كائن محبط بيننا ويتبعثر على الأرض “لقد كان على ما يرام” نعم في الظاهر، وكان له بريق، لكن الداخل لم يكن على ما يرام وكانت هناك ظلمة.

إذن في النهاية نحن كائنات هشة جدا، لولا وجود الله ولطفه العميم، ونوره الذي نحاول متابعته في الأرجاء، في النبض المتتالي، وفي الفقد الذي يلتمس طريقه إليه، وأن الحياة هناك أفضل لمن نحبهم، وندعو لهم.

نعم نغفل، لكن نعود لنكرر النداء الأجمل، والأبقى والأنقى، والأرحب، والألطف، والأصدق؛ رغم كل الضعف والخذلان، واليأس ونقولها برجاء: يا رب.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 100

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *