عن الأذكياء والمتذاكين

لدي طرق أمارسها مع الذين يتمتعون بذكاء خارق، وأعترف أن هؤلاء لا أستطيع أن أتبادل معهم أطراف الحديث، ثم إني لا أعرف عن هؤلاء الذين يتمتعون بما يسمى الذكاء الاجتماعي شيئا، بالنسبة لأصحاب الذكاء الخارق لي معم طرق وحيل، الطريقة الأولى أن أصرف الحديث للتفاهات، هذا أفضل من الحديث في نظريات ما بعد الاستعمار، وملف الأخلاق والإلحاد، وما بعد النسبية، أو القسمة المطولة، وعملية حرق الوقود في سيارات الكومارو موديل 67، ،وأهم ثلاثة أسباب لتسوس أسنان الكنغر، والجنسانية عند فوكو، ومفهوم الكومونة عند ماركس، لهذا أحاول أن ينحرف الحديث إلى أفضل فوال في جدة، وكيف أغبر واجهة السيارة قبل السفر عبر الساحل، ومشكلة التحويلات في جدة، وأحوال الطقس، رغم أن الحديث عن الطقس مهم في نظري.

الطريقة الأخرى مع هؤلاء التسليك، كله صح، انت تفهمني، ذولا حمير يا أخي، وأنت معلم ومنك نتعلم، وكذا.

وإذا كنت معزوم معهم في مطعم، فأفضل الطرق مع الأذكياء تدخلهم في سوالف الطعام، وتاريخ الطعام، والمراحل التي مر بها المعصوب قبل إفساده بالقشطة، وليش بعض الناس تحب شواية الخليج، وتفضله على بخاري الجامعة.

ثم من نعم الله الصلوات الخمس، بمجرد أن تسمع الأذان وأنت مع مجموعة من الأذكياء يتناقشون في هروج شوبنهاور، ونيتشه، وسارتر، وكامو، وأساتذة العدم، فشمر عن ساعديك واذهب للصلاة، واتركهم في عدميتهم يعمهون.

أما المهندس يا عزيزي فلا سبيل للمراوغة، من الضروري أن تخبره بشكل صريح أنه أفضل منك، لا يوجد بصيص أمل في إقناعه بخلاف ذلك، فمن قاصرها، اعترف بأنه الأفضل، وهذه القاعدة اسمها: “ريح الزبون”.

الذكاء نعمة عظيمة والغباء في بعض الأحيان، من الممكن تقديم الاعتذارات لهؤلاء، محبتهم، ومراعاة ما وهبهم الله من امتيازات، لكن هناك صنف آخر غير محترم، صنف لا تستطيع أن تتقبل حضوره ومسايرته، وهو الشخص المتذاكي، الذي يتربص بك ليمرر خداعه ونفعيته، في قناعة منه أن الحيل ستنطلي عليك لأنك غبي، وهو أذكى منك، ويحاول أن يبن لك أنه معك، وهو يتربص بك من أجل أن يختلس منك ما يريد، هذا الصنف من أسوأ البشر في سياق حديثنا عن الذكاء والغباء، هذا له دركات أدنى في الخسة، وعند الله له حساب آخر بخلاف الأغبياء. العلاج مع التذاكي هو التغابي، ثم الابتعاد بالكلية عن هذا الصنف، لأن معضلته الأخلاقية في الغالب ستكون ملازمة له، إن لم تكن معك فمع غيرك، لأنه يجد من يخدعهم من الكرام، وقد قال الفرزدق في مدح حبيبنا الحسين رضي الله عنه: استمطروا من قريش كل منخدع إن الكريم إذا خادعته انخدعا، وقد قيل لجده عليه السلام من قبل: “أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان” والمتذاكي بخلاف ذلك.

من أجمل ما وقفت عليه في هذا الباب كلام لقاسم الرويس:

“‏الاستذكاء على الناس يولد شعورًا بالريبة ويفسد الثقة بين الأفراد، لأن الناس تميل بطبعها إلى الصدق والوضوح. أما من يمارس الاستغفال الدائم، فإنه يُصبح أسير لعبة لا تنتهي من التمثيل والمراوغة، مما يستهلك طاقته النفسية ويُفقده المروءة. الذكاء نعمة يمنحها الله من يشاء، لكن استخدامه للتحايل على الآخرين كفران لهذه النعمة لأنه نزع منها قيمتها الأخلاقية”

اللوحة: لاعبوا الورق لبول سيزان

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 122