يموت إدوارد سعيد فيصدر كتابه الأخير بعد ستة أشهر من وفاته، يموت سعيد بعد أطروحاته عن الشرق والغرب، والمقاومة، وجدل العلاقة بين المثقف والسلطة، ويترك صورا خلفه وهو يرمي الصهاينة بالحجارة، وهو يتحدث نحيلا في أيامه الأخيرة، حتى بعد وفاته يبعث لنا لحنه الفريد في كتابه الجميل “الأسلوب المتأخر”.
الأسلوب المتأخر هو آخر هدايا العمر، يأتي مع الانكسارات، والجروح، والمثابرة الهائلة والممتدة.
إنه الأثر الأخير الذي تركه أمل دنقل عندما نثر أوراق غرفته الثامنة، الأثر الذي علقه درويش على أزهار اللوز، ودثر به الثبيتي وضاح، ومنحه الصيخان لفضه التي تتعلم الرسم.
الأسلوب تجده في حندرة بن جدلان، وبعد نحنحة ابن مصلح، وعندما يقلب صيّاف المعاني في الملعبة.
في الغرف المغبرة قبل أن يكتب جون فانتي فصلا من روايته، وفي خلوة الغلبان الذي منحه أصلان صوتا.
في نغمات بتهوفن، ونوايا أحمد الشيبة التي ذوت مبكرا، الأسلوب المتأخر في نظرات كيلنت ايستوود في غران تورينو، والتفاتات انتوني هوبكينز عندما يبحث عن أمه.
إنه هناك في التلويحة الأخيرة، والطمأنينة التي تسبق المصير المحتوم، بعيدا عن النظر، والتأنق، والمكانة، ورأي البشر.
وقد يأتي الأسلوب المتأخر من مخيم مكتظ بالشتات واللاجئين يسمى “عين الحلوة”.