القائمة

شيء في الكتابة

عمر هذه المدونة سنة الآن، تحدثت عن أشياء كثيرة أغلبها عن اليومي والكتابة، أتحدث عن الكتابة كثيرا من باب التكريس، وأغلب الحديث مجرد قناعات شخصية، أتت من خلال التجربة، والاقتراب من عالم الكتابة، والمشاركة في الورش، وتحكيم النصوص وغير ذلك.

لقد مر عليّ خلال العام الماضي لا أبالغ لو قلت مئات المسوّدات، أغلبها من كتاب للتو شرعوا في عالم الكتابة، عدد مهول من الورق، الذي يستحق النشر منه لا يتجاوز ٢٪ يتوازى مع ذلك تفعيل لعدد من ورش الكتابة محليا، وربما الالتحاق بمعاهد من أجل تعليم الكتابة الإبداعية في الخارج، أو قراءة الكتب التي تتحدث عن فن كتابة الرواية أو غير ذلك، أنا أرى الأمر أكبر من ذلك، لهذا عندما قامت مبادرة انثيال لم نركز على ورش الكتابة، ولم نعلّم الكتاب تقنيات الكتابة، لقد كانت مبادرة انثيال مجرد مرافقة للكاتب الذي استوفى أدواته من قبل، لقد صنعت المبادرة الطقس الصحي للكتابة فقط، لم يكن هناك تنظير ولا ورش والا تلقين، نعم كانت هناك استضافات لكتّاب لمجرد الحديث عن الكتابة وكان ذلك على هامش المبادرة، لكني كنت أراهن على الكاتب لا شيء آخر.

لن تنفع ورش الكتابة، ولن تنفع جهود المحرر، إذا أردنا كتابة حقيقية لابد أن يركز الكاتب على ذاته، قبل الابتسامات الفاقعة على منصات التوقيع، قبل الفلاشات في معارض الكتب، قبل الكعكة التي تحمل صورة غلاف الرواية، قبل النشر، قبل الشروع في الكتابة، هناك شرط من الضروري توفره! نعم ذلك البناء البطيء جدا الذي استمر لسنوات دون أن يتدخل فيه أحد، ودون أن تعبث به اقتراحات الناس والجهات، البناء الذي تشيد واشتد أثناء القراءة المطولة، والتأمل اليائس، والانصات للناس، والمرور بتجارب، وخيبات، وحماقات كثيرة، وهزائم، البناء الذي استطاع الكاتب عبر العقود الماضية أن يتكئ عليه الآن، ثم يُقبل بعد ذلك على الكتابة وهو ممتلئ!

إن أغلب ما يعاني منه الكتّاب الجدد اليوم هو الهزال الشديد، الهزال الذي يدفعه إلى الانضمام إلى ورش الكتابة، والمبادرات التي تقام بين حين وآخر وتعده بأن تنشر كتابه في النهاية، الهزال الذي يدفه لقراءة كتب تعلمه كيف يكتب رواية، كيف يخطط لها، ثم كيف يجيد الحبكة، ويخلق المتعة، لكنه لا يجد من يقول له: يا عزيزي أنت تعاني من الهزال الشديد، أنت بحاجة لتغذية!

الامتلاء هو من جعل كونديرا يسخر من الحبكة، وفوكنر لا يفكر في إرضاء القارئ، وملفيل ينسى نفسه أثناء الوصف.

أمس كنت أشاهد حوارا مع باول هاردينغ وهو أستاذ الكتابة الإبداعية في جامعة هارفارد هذا الرجل عاش حياة زاخرة لقد أمضى حياته في التجول في الغابات، وكان جده ساعاتي، وتعلم على يديه المهنة، درس الفنون الجميلة والموسيقى، ثم أكتشف أن أغلب من يحبهم هم متدينون جدا، لذا شرع في دراسة الدين لعدة سنوات، طبعا لا حاجة للقول كان قارئا نهما. 

هذا الرجل كتب بعد الأربعين روايته الأولى وفاز بجائزة بوليتسر عام ٢٠١٠م.

استوقفني في الحوار ثلاثة أمور:

  • لا يخطط لروايته أبدا، هو يجلس ويكتب فقط، لا تنسى صاحبنا أستاذ كتابة إبداعية.
  • يقول نحن في الكتابة متشابهون بنسبة ٩٩٪ ومختلفون بنسبة ١٪ الناس تريد أن تلمس هذه النسبة الضئيلة جدا في كتابتك، وهو ما يسمى بالأسلوب، أو بصمتك الخاصة.
  • الأمر الثالث نسيته!

في النهاية ما نحن بحاجة ماسة له ككتّاب هو الامتلاء فقط، لا شيء آخر.

*الصورة: لموسى آل عقيل، صورني في مقهى كافين لاب، دون أن أعلم إي والله.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 76

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *