رواياتي والشاشة

أتذكر قبل سنوات، ربما ٢٠٠٦م أو ٢٠٠٧م صدر لي حينها ثلاث روايات وكنت أنشر بعض القصص القصيرة هنا وهناك، تواصل معي شخص لا أتذكر اسمه الآن، لكنه ذكر أنه يريد لقائي، وأنه حضر لجدة لحضور مهرجان العروض المرئية، وهو لمن لم يشهد تلك الفترة مهرجان سينمائي للأفلام القصيرة، وكان حدثا استثنائيا حينها، أتذكر كان هناك أسماء معروفة تقوم عليه منهم ممدوح سالم، وخالد ربيع، والدكتور حسن النعمي.

تقابلنا على مدار أيام المهرجان وأتذكر من الأفلام التي عرضت فيلم إطار لعبدالله آل عياف، بعد ذلك طلب مني ذلك الشخص نصا للسينما، وأن لديه مخرج سوري سوف يخرجه بعد ذلك، طبعا المخرج أرى اسمه الآن في بعض المسلسلات السورية الرائعة، المخرج فنان ويملك رؤية تخصه، كان الغريب في الأمر أن الرجل طلب مني قصة تدور أحداثها في إفريقيا، كان طلبه غريبا، طلبت منه أن يمنحني بعض الوقت، بعد أسبوعين أخبرته أن الأمر فوق طاقتي، فأنا لم أتعود على كتابة قصة بهذه الطريقة، وأخبرته أن لدي نصوص أخرى وهي بين يديه.

بعد خمس سنوات تقريبا تواصل معي الجميل رجا ساير، وقد عرفته من قبل بكتابته حول السينما في الصحف، وأتذكر حتى الآن مقالا له عن فيلم “سائق التاكسي” من أجمل المراجعات التي قرأتها، أخبرني رجا أن هناك برنامج سوف يعرض بعنوان “بعيون سعودية” يشرف عليه ناصر القصبي، فكرته أن البرنامج يستقبل أفكارا من المخرجين ويمنح كل مخرج ميزانية في حال قبول فكرة عمله، وأخبرني أن ناصر القصبي قرأ رواية “نحو الجنوب” وأنه يرغب في تحويلها إلى فيلم، وأنه يريد أن يمنحها ميزانية خاصة، وأنه يتواصل معي لأخذ موافقتي حول الأمر، قلت: له لا مانع لدي، وبالفعل تواصل معي المخرج عبدالرحمن عايل لأخذ الإجراء النظامي بخصوص الحقوق، ثم أخبرني أنني مرشح لكتابة السيناريو ومعي نهلة محمد، أخبرته أنني أفضل أن تكتب نهلة السيناريو، وشرع الفريق في التصور، وكان في ديرتي، وأنتج الفيلم بعد ذلك، طبعا لم يعرض في برنامج بعيون سعودية، وكان أول عرض له أظن في المغرب.

بعد خمس سنوات أخرى تواصلت معي شركة منتجة معروفة، ولديها رغبة في العمل على روايات سعودية لإنتاجها على الشاشة، وطلبوا مني أن أرشح لهم أعمالا لي، فرشحت لهم روايتي “الفيومي” وأظن رواية أخرى، وأخبرني الذي تواصل معي أنه سوف يتواصلون معي في حال تم اختيار الرواية، مرت أكثر من سنة لم يحدث شيء، وانتهي الموضوع بالنسبة لي، فلم يكن هناك تعاقد أصلا بيننا.

في تلك الأيام وصلني عبر البريد رسالة وبها ملف مرفق، تنص الرسالة أن المرسل قرأ قصة لي بعنوان: “بخيت” وقد كتبها سيناريو، ويرغب في معرفة موافقتي، ورأيي في النص، أخبرته أنه لا مانع لدي، وتمنيت له التوفيق.

 بداية ٢٠٢٠ عرض برومو على إحدى منصات القناة والتي تواصلت معي سابقا، حبيت المكان وتفاصيله والحركة التي فيه، فبعثت البرمو إلى أحد الأصدقاء وهل يذكره بشيء، فرد مباشرة: يذكرني بالفيومي!

عرض المسلسل وأشوف كاتب السيناريو، أعرفه، ونتابع بعض في التويتر، والذي ياللمفارقة تابعته بعد مقال له تحدث حول أزمة النص والسينما! والمخرج صدقا لا أعرفه لكن الأصدقاء المشتركين ذكروا لي أن الرجّال “ونعم”.

أخو العيال!

بصراحة الأمر صادم، ويبدو أن النص مر بمراحل تشويه، وورش مضللة، تواصلت مع المخرج وصاحب الشركة المنتجة، قلت له: العلم سلامتك، هناك: تقاطعات بين الرواية والمسلسل:

  • مشهد الافتتاح.
  • المكان.
  • الأسماء.
  • الصراع.
  • الصور: مثلا مشهد رجل يقف أمام قبر وحيد تحت شجرة!
  • المهن: بياع السلاح، والنحال.
  • الحيوانات.
  • الهروب للجبال والمواجهة، العيش في الجبل، حتى براد الشاهي الأصفر في السقيفة 🙂 
  • ومشهد الختام، الذي ينتهي في الطوارئ!

 قال لي: أرسل لي الرواية. أرسلتها له بعد نص ساعة قال: ما أشوف فيها تشابه، ذكرت له يا أخي نحن مبدعون وأرى أن هناك أمرا حدث لا بد من معالجته ولا يليق بنا كمبدعين اللجواء إلى المحاكم، وممكن نعالج الأمر حتى لو باستدراك واعتذار بسيط، وكفى الله المؤمنين القتال، أخبرني أنه سوف يتواصل مع كاتب السيناريو، رد بعد نصف ساعة بعريضة طويلة يذكر فيها الاختلاف بين الرواية والمسلسل، أخبرت المخرج أني أرغب في تفسير التقاطعات؟ في السرقات لا أحد لا يسأل عن الاختلاف، السؤال دائما حول التشابهات ومقدارها.

وعقب المخرج بنفس كلام كاتب السيناريو: عليك بالتوجه إلى المحاكم!

ثم حدث وتسرب خبر حول هذا الأمر وقام المسؤول عن القناة والذي يقيم في دبي بالاتصال علي وقطع وعدا لي بتكوين لجنة مستقلة بدراسة الموضوع، وتواصل معي بعد أسبوعين وبعث لي رد الشركة المنتجة، وعندما سألته عن اللجنة قال: تقريرها يخصنا ولا يخصك.

ثم تواصل معي أحد المهتمين بالسينما عندنا وطلب مني نسخة من الرواية، طبعا هو يعرف القائمين على المسلسل جيدا، بعثت له الرواية، وتواصل معي في اليوم الثاني وذكر أن “هناك تشابهات وتقاطعات ليست من باب المصادفة، تحتاج محامي فاهم” 

طبعا كنا وقتها نعيش جائحة كورونا، أجلت الموضوع، بعد ذلك توجهت لمحامي وكان متحمسا للأمر، ثم وقع حادث لابنه وتوفى، وشعرت بحرج بمحادثته مرة أخرى في ظل ذلك الفقد الكبير.

بعد سنة تواصل معي مخرج وأخبرني أنه قرأ جميع رواياتي، وأنه يرغب في نص للشاشة، وبالفعل كان عندي ثلاث قصص مكتوبة للسينما أو ما يسمى بالمعالجات، عرضتها عليه وأعجبه نص، طبعا بعد كل ما حدث من مواقف تحدثت معه في الشروع في التعاقد، وبالفعل بعث لي العقد وسلمني مبلغا جيدا جدا.

خلاصة الكلام، إذا كنت روائيا وأردت أن تحاول في الكتابة للسينما ومن حقك كونك تملك الأدوات أن تحاول، الكاتب الذي يملك أدوات الكتابة والخيال، والمشاهد للسينما طوال حياته لا شك أنه يملك ما يؤهله للكتابة بخلاف ما يروج له بعض صناع السينما!

أعود للقول أنك روائي ولديك تلك الرغبة التي تنتاب بعض الروائيين في الدخول لهذا العالم، أنت لديك خيار هو هويتك ومشروعك وهو كتابة الرواية، لذا يحدث أن يتم اختار إحدى رواياتك للسينما في هذه الحالة أقترح عليك أخذ مبلغ مقابل التنازل عن الحقوق وترك العمل لصناع السينما الذين لديهم رؤية خاصة، ولديهم كتّاب سيناريو يعرفونهم جيدا، وتمتع أنت بالمبلغ الذي استلمته واذهب لكتابة رواية أخرى.

الخيار الثاني وهو رغبة في المحاولة وتجريب أدواتك في شيء طارئ، وتريد أن تقتحم عالم الضوء فعليك كتابة قصص للسينما بين حين وآخر، ورميها في الدرج، ربما تأتي الفرصة!

بالنسبة لي أنا أرى أن يشتغل الروائي على مشروعه دون أن يلتفت لشيء آخر، وقد يحدث أن تُختار رواية له في إحدى الأيام للسينما، وحتى أكون صادقا معك، المجال مدر للمال، الشغلة فيها دراهم يا صاحبي، والذي لن تستطيع الرواية أن تجلبه لك. آسف على الحقيقة المرة، ويقال يا عزيزي أن هناك روائية تنازلت عن حقوق روايتها سينمائيا لإحدى الشركات وقبضت ٥٠ ألف ريال، وروائية أخرى وقعت عقد مع شركة منتجة بـ ٢٥٠ ألف ريال وانتهى العقد ولم تنجز الشركة السيناريو، فجددت الشركة لها العقد بـ ٢٥٠ ألف ريال، نصف مليون فقط مقابل التنازل عن حقوق الرواية، وهذا انتصار للرواية، وأمر مبهج، فهناك رواية فيها قيمة تستحق العمل عليها، وهناك صناع يحترمون الفن، وهذا التضافر أمر صحي للفن.

لكن أنت تدرك عزيزي كيف تدار الاتفاقات والعقود، والمسألة لا تخلو من تدخل العلاقات أيضا، خلك في مشروعك الروائي وتأتي الهدايا في الطريق دون أن تشغل بالك بالأشياء الأخرى، الكتابة أعظم المنح.

هناك شيء ربما يتفق معي فيه صناع السينما، أن نسبة كبيرة من المشاريع تفشل، وبعضها يفشل في مراحل متقدمة قبل أو بعد المونتاج بقليل، وربما يتم إلغاء المشروع قبل العرض.

لذا عزيزي الروائي، إذا تم اختيار روايتك من قبل شركة منتجة لا تشترط أنك ستكتب السيناريو أو المشاركة في كتابته، خذ المبلغ المقطوع و”سردح” اشتري جوال جديد أو سيارة، أو سافر مع عائلتك، لا ترتكب حماقة بالتدخل في السيناريو، هذه نصيحة أخوك وحبيبك طالما وصلت إلى نهاية هذه التدوينة.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 96

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *