القائمة

راديو

أثناء حرب الخليج الثانية ازدهرت تجارة الراديو، بل إن بعض من كانوا يخفون الراديوهات كنوع من الأنتيكا والتراث، أخرجوا أجهزتهم من الخزائن والصناديق العتيقة، وأصبحوا يتباهون بها.

قريب لنا مكث عندنا في البيت أكثر من أسبوع مع أسرته لأننا كنا حزانى بسبب مصيبة احتلال الكويت، كان هذا الرجل مستاء من راديو أبي لإمكانياته المتواضعة، وكان يمدح الراديو الروسي العظيم الذي تركه في بيته.

كل هذا الحضور والرواج للجهاز القديم سببه عدم إيمان الناس بالرواية الرسمية للأخبار، فلم يكن هناك سوى القناة الأولى والثانية، وبعض الإذاعات المحلية، لهذا أخذ الناس يتعقبون الإذاعات الأجنبية الأخرى من أجل جمع أكبر عدد من الروايات ثم يأتي بعد ذلك جلسات تحليل هي أشبه ما يكون بمرحلة “السبر والتقسم” عند علماء الأصول.

ولا أنسى أحد أقاربي كان يجيد التعليقات على الظواهر الاجتماعية فمما قاله لي وقتها حكمة صينية تقول: ” لاتصدق كل ما تسمع وصدق نصف ما تراه”

كنت حينها في الثانية عشر تقريبًا أو الثالثة عشر -طبعًا هذا قبل أن أعرف إدوارد سعيد وناعوم تشومسكي وميشيل فوكو- المهم الراديو جعلني في ريبة طوال حياتي من أي رواية رسمية لأي حدث، لهذا أنا ممتن للراديو على أشياء كثيرة، منها أنه بعد أزمة الخليج أصبحت أتمتع بمصروفي اليومي بعد أن كنت أوفره لأشتري أشرطة أغاني، فقد أصبح هناك إذاعة تدعى الأف إم تصدح بالأغاني صباح مساء.

..

الآن أصبح ما يسمى بالبودكاست هو الإذاعة الجديدة، أن تختار المضمون الذي ترغب في سماعه بحسب اهتماماك وتخصصك، وبتقنيات صوتية عالية، ومؤثراث كلامية تجيد إختراق المتلقي بحسب درع الوعي.

الآن الفضاء امتلأ بالكلام والكلمات، وأصبح هناك هوس بصناعة المحتوى الذي أخذ يشكل الجيل، الجيل الذكي، الذي أصبح التعامل معه يجري بدهاء ومكر، في محاولة لتشكيله بطريقة عصرية، لهذا لن أنس أثر الراديو في حياتي خاصة الروسي الذي جعلني أتشبث بالأدب الروسي، الذي كنت أظن في ذلك الوقت أنه ينبثق من الحقيقة، ويؤمن بالرواية بالمعنى الفني لا الرسمي!

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني كاتب، وروائي، ومحرر أدبي.

المقالات: 44

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *