قبل أربع سنوات وفي شهر ديسمبر ذهبت أنا وأولادي إلى السينما لمشاهدة الفيلم الرسومي سول، عندما وصلنا الصالة كانت قد نفدت التذاكر، لقد ارتكبنا خطأ بعدم الحجز مبكرا، فرجعنا بخيبة من عند البوابة ثم ذهبنا لتناول البيتزا.
بعد أيام شاهدنا الفيلم مع أخي إبراهيم في منزله الذي تسكنه الأشجار، وشاهدنا هناك جو غاردنر، مدرس الموسيقى، الذي سئم من تدريس الأطفال، ويحلم أن يعزف ضمن فرقة جاز معروفة، جو الذي لم تقبل به أي فرقة، اتصل به أحد طلابه يعمل لدى “دوروثيا ويليامز” وأخبره أنه تحدث معها بخصوصه، فذهب إليها لاختبار الأداء قبل انعقاد الحفل، وبالفعل توافق على انضمامه للفرقة، فيخرج جو سعيدا من عندها كونه سيحقق حلمه العظيم، يتصل على أصدقائه، ومعارفه يخبرهم أنهم قبلوه في الفرقة، يقطع الشوراع ضاحكا، وهو ينشر الخبر الهائل بين الناس، وأثناء تلك البهجة العارمة يسقط جو في حفرة للمجاري، ويموت!
مات، لأن الموت لا يحابي أحدا، ولا يمهل إنسانا كي يحقق أحلامه، يتخطف الجميع كأخطبوط عملاق لا يهمه كيف ستتصرف أطرافه مع الناس، الموت ليس انتقائيا، لا ينظر لأشكال الناس وأعمارهم، بل مهمته قطف الأرواح التي ستمضي إلى مكان آخر.
جو لم يرَ تفاصيل الحياة، ولم يتأمل جمال الكون، منعه الضجر من عدم تحقيق حلمه من التمتع بالحياة، ثم يحدث أن تقابله دوروثيا بعد الحفلة -بحسب سير أحداث الفيلم- ويذكر لها أنه لا يشعر بشيء بعد تحقيق الحلم، فذكرت له حكاية السمكة التي كان حلمها ترك البحر والعيش في المحيط، بعد سنوات ذكرت تلك الأمنية لأحدهم، فأخبرها أنها في المحيط!
الحلم سيبقى حلما، حتى وإن كان الحلم شخصا، تأمل حولك ما أعظم الخيبات عندما يكون الحلم شخصا، تظل سنوات عمرك “تحلم بلقائه” وعندما يحدث وأن يأتي، لا تلبث سوى ليال معدودة وتكتشف أنه لا يستحق كل تلك الأماني، أما ذلك الذي لم يأتِ، فوجوده في حياتك يتجلى ويشع لحظة الغياب، وكما تقول الحكمة الفرنسية: أحلامنا سنتركها مع امرأة.
“عش اللحظة” ودارِ أحلامك، ولا تخنقها، ولعلها تكون أجمل في حال أنها لم تتحقق، لأن الخيبة التي تحدث بحصولها أحيانا قد تكون أشد ألما من مكوثها في المدى البعيد، وتأكد أن ما يقدره الله لك هو الأجمل، فأعظم من الأحلام في ظني الرضا، أما تلك فبعضها يتحقق، وأكثرها لا يتحقق، وفي الأثر: “يموت المؤمن وفي نفسه شيء”.