القائمة

الكتابة والوهم

الكتابة فعل عظيم نفسده في كثير من الأحيان بالوهم، وهي أشياء تأتي رغبة في مزيد من الاعتراف، والانتشار، والجوائز، والكمال، أو الوصول للشاشة.

لقد توقفت عن القراءة لأحدهم لأنه يرغب في أن يبهرني في كل مرة، يريد أن يبين لي أن كتابته هذه المرة أعظم من كل محاولاته السابقة، لقد جاملت وقرأت ثم توقفت.

الرغبة الحمقاء في الكمال أدت إلى انتحار كاتب أمريكي يدعى دايفيد والاس لقد وصف هذا الرجل بأنه أحد أكثر الكتاب تأثيرا وابتكارا في أمريكا وذكرت مجلة التايمز بأن روايته الأولى واحدة من أفضل ١٠٠ رواية صدرت خلال القرن الماضي، ولقد دفعه هوسه بالكمال في النهاية إلى ربط حبل في السقف! 

هناك وهم مضحك في الكتابة وهو الظن السائد أننا إذا ارتبطنا بشريك يتقاطع معنا في الكتابة أن هذا سوف ينعكس على كتابتنا نحو الأفضل، في هذا السياق يذكر همنغواي في كتابه الجميل “وليمة متنقلة” أنه كان في حانة مع فيتزجيرالد الذي حقق نجاحا عظيما في بداية مشواره الأدبي بكتابة رواية “الجانب الآخر من الجنة” ثم “غاتسبي العظيم” وعدد من الأعمال “الناجحة” وربما نتحدث عن معيار النجاح وربما لا، المهم وكان هذا الرجل مشغول بحجم قضيبه الذي يراه صغيرا، وفي الحانة مع الشيخ همنغواي أثار السالفة، وذهب معه همنغواي “المعزز” إلى الحمّام من أجل الفحص، أكد همنغواي لصاحبه أنه يملك قضيبا جيدا، “والحجم ليس مهما، الأهم الأداء” وهي لازمة يتداولها الرجال كثيرا، لم يقتنع الرجل، استفسر منه همنغواي عن مصدر عدم الثقة هذا، فأخبره أنه من زوجته زيلدا وأنها لم تكتف بالتصريح بصغر قضيبه، بل لمحت لذلك في بعض نصوصها المنشورة! 

ربت همنغواي على كتف صاحبه بأن لا يستجيب لكلامها الفارغ، لم يستجب فيتزجيرالد لهمنغواي وظل الصراع بينه وبين زيلدا محتدما إلى النهاية المأساوية التي لحقت بهما، وهناك نماذج كثيرة في عالم المبدعين فريدا وبلاث وحكايات لا تنتهي. أن يكون الشريك قارئ فذ، هذه منحة عظيمة بلا شك، بيلار منحة لا شك!

وعن الشاشة وهذا اللهاث الكبير من أجلها، مؤخرا سمعت حوارا مع السيناريست الأمريكي إريك روث عندما سئل عن تجربته في كتابة سيناريو فيلم فورست قمب، أول ما ذكر في الحوار أن الرواية لم تكن جيدة، ثم عقب أنه قد يحدث أن بعض الروايات السيئة قد تظهر لنا أفلاما جيدة!

ماذا أيضا من أجل تفتيت الوهم.

في عالم العزف نقول: “فلان عزفه نظيف” إنه أداء يمارس بحب وثقة، ودون توتر، أو محاولة إبهار، وهكذا الكتابة العظيمة صافية ومؤثرة، إنها أشياء تأتي دون حمولات.

وبس والله.

أضحى مبارك.

وكل عام وأنتم ومن تحبون بخير وسلام وعافية.

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 75

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *