الأدب في خطر

أمس كان لي حديث عبر الهاتف مع الصديق عبد الرحمن الشهري وكان مصدوما، لقد سمع شعرا أعجبه من أحد الأصدقاء ليكتشف أنه من قريحة الذكاء الاصطناعي، وعبد الرحمن يملك ذائقة عالية ليس في الشعر فقط وإنما في كل فروع الفن والأدب، قبل ذلك بعث لي فؤاد رابط لمقال نشر في النيويوركر بعنوان: ماذا لو كان القراء يحبون الخيال الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي؟

المؤلم أن صاحب المقال استشهد بتجربة لأحدهم كانت على كتابات الكاتبة الكورية التي أحبها جدا، هان كانغ -صاحبة رواية “النباتية” و”الكتاب الأبيض” والحائزة على جائزة نوبل في الأدب- حيث قرر صاحب التجربة أن يغذي برنامج الذكاء الصناعي بكتابتها، وكانت التجربة على الكتاب الأبيض وهو كتاب نثري كتبته هان كانغ عن أختها الكبرى الخديجة التي ماتت بعد ساعات من الولادة، تم تطعيم الذكاء الاصطناعي بالنص ما عادا جزء يتعلق بالرجاء الأخير حيث ترجو الأم من طفلتها عدم الرحيل، ثم طلب من الذكاء الاصطناعي كتابة المشهد فكانت الصدمة لقد كتب الذكاء الاصطناعي مشهدا أكثر تفصيلا وتأثيرا من الكاتبة!

ما أريد قوله لأصدقائي الذين لا يقبلون هذه الحقيقة أدرك الصدمة التي تشعرون بها، والعزاء الوحيد ربما هو أن البشر كتبوا بما فيه الكفاية من الأدب، فلدينا إرث عظيم بحاجة لإعادة نظر وقراءة، والعزاء الصغير الآخر أن هناك مساحات صغيرة بقيت ينهشها الوقت، فكتب الحدث، والأفكار الغريبة، والفانتازيا، والروايات القائمة على الحركة سوف ينسفها الذكاء الاصطناعي، أما الهامش المتاح الآن هو اليومي، تفاصيلك الصغيرة والتافهة كيف تعالجها وتصبح ذات قيمة، نريد أن نرى قدرتك على تحويل التبن إلى شيء له قيمة، وهي قدرة ليست بتلك السهولة، الفاغر والذي تسيل لعابته أمام شات جي بي تي لن يستطيع فعل ذلك.

هناك يقين الآن وهي أن الشك هو الأصل، نحن أمام نصوص وروايات، ومقالات في الصحف والمجالات بل حتى تغريدات، بل حتى ردود التغريدات، بل حتى محادثات في الواتس نراها ونعرف أنها نتاج الذكاء الاصطناعي.

قد يشفع تاريخ الكاتب له، لا شك أن الكاتب الذي كتب قبل عشر سنوات، حتى وإن كانت كتابته متواضعة سيكون عندي مصدر للثقة أكثر من شخص عرف بالكتابة مع ظهور الذكاء الاصطناعي، هل هذا يعني التعميم، لا لكني أشفق في المقابل على الكاتب الصادق الذي يكتب بدمه، ويحاول مقارعة كل هذه الأشياء ليثبت أصالته!

المأزق الأخلاقي يظهر هذه الأيام، فالكاتب الذي من المفترض أن يكون معني بالحقيقة تحول إلى شخص مضلل وكذاب ومداع!

أما بخصوص الكتابة السردية الآن فكل ما تبقى هو بعض التجريب، والتخييل الذاتي، والرواية السيرية، هذا هو الهامش الذي أصبح متاحا، ربما من الضروري أن نعود إلى القراءة بشكل أكثر تركيزا، حيث تنتفض هناك الأفكار بشكل مختلف، وعلينا أن نعود للنظر إلى الفنون الأخرى، والصناعات، والأعمال اليدوية، أو نبحث عن زاوية أو صومعة نتنسك فيها ونتأمل الكون لعل وعسى أن نجد ما يبدد وحشتنا في هذا العالم الذي يسير في طريق مفزع.  

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني، كاتب وروائي.

المقالات: 129