القائمة

٢٧ ديسمبر

اليوم يكتمل العقد الأول على رحيلك.

قبل ذلك بأيام أدخلناك طوارئ مستشفى فيصل التخصصي، وكان من المفترض أن تدخل يوم الأحد العيادة التلطيفية، لكن تعبت فدخلت للطوارئ لحين موعدك، أعطوك المورفين، وغطوك بالشراشف البيضاء الدافئة، وخرجت أنا وأحمد ولد عمي ونحن نشعر بالسعادة لأنك ارتحت من الألم، كانت تمطر وكنت أحمل الفروة التي كنت تتلحف بها، قرر أحمد أن يأخذ الفروة ويذهب بها للسيارة، وبقيت متمسكا بها، وكان يردد اسمي كي أترك الفروة، فأنا أعرف أنك تحتضر وربما تضيع الفروة بعد موتك.

أمس سألت أخي إبراهيم وأخبرني أن الفروة لديه، ولديه السكاكين، التي لا زالت تقوم بدورها في الأعياد، وعند حضور الضيوف.

أبشرك يا أبي علومنا طيبة، ولا زال الضيوف يحضرون رغم غيابك، ولدينا معاليق للذبائح عند باب العمارة التي بناها أولادك في الخمرة، العمارة التي لم تشهد حضورك الباهي.

الأمور على ما يرام، مكتبتك شامخة، وقبل قليل انتهيت من قراءة مذكراتك التي بدأت كتابتها عام ١٩٨٢م لأول مرة أعرف أن هناك امرأة عظيمة أرضعتك اسمها علياء بنت عبدان وجدتي تعاني من حمى النفاس، وطال مرضها، أرضعتك علياء لشهرين متتابعين، ثم ذهبت وتركت لخالتك جميلة، وكانت شاة تأتي من الجبل لترضعك لمدة عام، تفاصيل عجيبة.

وقرأت تفاصيل ما كتبته عن أمي عندما أصيبت بالسرطان، تلك السردية البديعة التي كتبتها على مدار أربع سنوات بداية من ٢٢ أكتوبر ٢٠٠٨م إلى ٢ سبتمبر ٢٠١٢م. 

ماذا أقول يا أبي، لحق بك أغلب رفاقك عم أحمد الحسني، وعم صالح بن شارة، وفقدنا ابن خالي طاهر إبراهيم، الذي رحل في الثلاثين، وصلني الخبر قبل دقائق من محاضرتي في اليونيسكو بباريس قبل عامين، لهذا لم أحضر العزاء، وحضر أحفادك نيابة عني.

جدي شهوان زرته مع عمي إبراهيم قبل سنة تقريبا، وسمعه ضعف فقط، وجدتي جميلة لم أزرها قريبا، أتيت الرياض للمشاركة في بعض الفعاليات لكن لم أتواصل معها لضيق الوقت، وهذا قصور كبير مني.

ولدي أحمد ممتاز في الدراسة، وبدأ يقرأ لكاتب أسمه أسامه المسلم، مع بداية العام، والآن يقرأ لكتّاب آخرين، القراءة خير في النهاية.

محمد يحب الضيوف، وفي صراع مع عمه إبراهيم في سبيل أن يكون “ونعم” محمد اجتماعي ويبادر لمساعدة الناس والكبار في السن، ويسمع عبادي الجوهر أحيانا.

أحمد، وإياد أبناء خضران، وغيث ابني الصغير، وجميع الأحفاد الذين لم ترهم يبعثون لك السلام.

عمي إبراهيم طيب، ويقوم بالعناية بالبلاد، وصدقا نتعمد إشغاله بذلك، والديرة علومها سارة قارة، لم يتغير شيء، يذهب الشباب للديرة، وأطلع معهم أحيانا نرمي، ومعنا خالي عثمان، سوالف وعلوم، ورماية.

الشباب حفروا بئر في الوجرة، ومن صفاء الماء نرى قعر البئر، الآن يأتي الماء لبيتنا في الديرة من البئر، الشباب يقومون بأعمال عظيمة في الديرة، والآن لدينا صندوق للعائلة.

أمطرت مؤخرا، وتضررت البلاد، وعمي إبراهيم أشرف على إصلاحها، انقطعت الكهرباء بسبب سقوط جدار بيت خالي إبراهيم على العداد وقام عمي إبراهيم بالوقوف مع شركة الكهرباء حتى وضعوا عدادا جديدا، حفظ الله عمي الحبيب صاحب الشيم الدائمة.

سافرت بداية هذا العام لعُمان ولم أقابل أصحابك للأسف، ذهبت لمصر ولم أزر الفيوم للأسف، زرت عقبة النشامى، وزرت قطر بدعوة من ملتقى السرد الخليجي، وذهبت للبحرين حيث تولى جدنا الولاية قبل ١٤٠٠ سنة، وأنا في الطائرة عائدا إلى جدة تحررت دمشق من الطاغية، وشرد روسيا، وتخلى عنه الفرس، وفرح الناس، وخرج من السجون أعداد هائلة من البشر، وكانت ليلة تحرير دمشق ليلة عيد في جميع أنحاء العالم العربي، وقد حان أن نستضيف ابن عساكر في مكتبتك الآن.

وبما أن موضوع الكتب يهمك فقد صدر لي خلال العشر سنوات الماضية ثلاث روايات، وثلاث مجموعات قصصية.

هذا أبرز ما حدث من بعد رحيلك، لا يوجد علم ربما يستحق الذكر غير ما ذكرته سوى أننا نتجهز الآن للذهاب لعقد قِران حفيدتك رغد، وفي الليل هناك اجتماع لشباب العائلة، وغدا سيكون عندنا ضيوف من الحارة القديمة.

هذا علمنا يا أبي وسلامتك.   

شارك
طاهر الزهراني
طاهر الزهراني

طاهر الزهراني كاتب، وروائي، ومحرر أدبي.

المقالات: 55

4 تعليقات

  1. رأيته اليوم في تفاصيل هاتفي..
    تفاصيل هاتفي التي لاقيمة لها بجوار تفاصيل وجهه العظيم
    تفاصيله التي رسخت في ذاكرتي العميقة وكانت الكنز الثمين والجوهر الفريد لبقاء حياة فُقدت بعد الفقد ..
    كنت اتأمل تفاصيل وجهه وكأنني أبحث عنه ليعود فيرى المسرات التي آمل أن تُعيده لنا حيًّا..شامخًا.. قائمًا.. متأملاً تارةً لمكتبته التي يكسوها الجمال،وتارةً لتفاصيل حياتنا التي كانت نتاجُ سُقياه النقيّ الطاهر ..
    بُشرانا ياطاهر ..!
    لقد كان الاثر الخالد .. والبصمه الطيبه المباركه
    حين يذهب الكتاب القيّم
    يترك من بعده سُطورٌ لاتُنسى
    وصفحات لايطويها الزمان

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *