أسمرٌ، أنيق جدا، يسابق عطره الفريد قبل دخول الفصل، ويلمع فص العقيق في يده كلما لوح بها، وهو يدرس مادة علم النفس أو مادة علم الاجتماع، فيتحدث تارة عن فرويد، وتارة عن ابن خلدون، وماكس فيبر، وكارل ماركس.
يحدثنا عن السفر والفن، والأدب، له السبق في تدوير الكتب بين الطلاب، والانصات لمشاكلهم الخاصة، ومشاركة طلابه آخر قصيدة كتبها.
لا يتردد أن يتحدث مع الطلاب في أي موضوع خارج المنهج حتى لو كان على حساب الحصة كاملة، والتي بعدها أحيانا.
يحضر دائما طابور الصباح يقف أمام طلابه الذين يفخر بهم كثيرا، وقد يقدم أحد الطلاب كلمة الصباح، فيتأثر منها.
يتحدث كثيرا عن الصداقة بمعناها العظيم، عن أهمية القراءة، يترك مجالا للجدل بين طلابه في موضوعا ما، ويستوعب من يختلف معه.
لا يتردد أبدا في تغطية أي حصة في المدرسة ومدارس أخرى.
إنه حالة تعليمية تربوية فريدة حتى خارج المدرسة، لو سئلت: هل تعرف أحدا كان يربط حزام الأمان قبل ثلاثة عقود، أستطيع أن أقول له بيقن نعم، كان أحد أساتذتي يفعل ذلك رأي العين.
كان يحبه الطلاب، ولم نر منه خلقا يتناقض مع منطوقه، ولم يكن يغضب إلا في حالة واحدة إذا رأى من أحد طلابه سوء أدب مع معلم حتى وإن كان يختلف معه، وكان يفرض عليهم الاعتذار وكانوا يستجيبون.
لم أر معلما في حياتي يبذل وقتا لطلابه كما يبذل أستاذي، إنه شيء يفوق الوصف، أتذكر عندما كتبت البحث الذي يتعلق بمادة المكتبة والبحث والتي كان يدرسها أستاذنا الفاضل سالم الغامدي، وقد سمح لي الأستاذ سالم أن أختار موضوعا يخصني بخلاف الطلاب، لقد كان يثق بي، فكتبت بحثا في فن القصة، وعندما انتهيت منه أخبرت معلمي أن الأستاذ محمد هو من سيكتب التصدير، الأستاذ الذي قال لي يوما: هناك رواية عظيمة لعبدالرحمن منيف لا بد تقرأها يا طاهر!
من الأشياء التي لا أنساها كنا في آخر أيام السنة الدراسية وكان يمازح طلابه، فكان الطلاب يذكرون اسم زميل لهم فيذكر شيئا له علاقة بشخصياتهم، فقال الطلاب: طيب طاهر، قال: طاهر يذكرني بالصبّار!
إنه وصف في غاية الدقة، إنه أستاذ يعرف طلابه جيدا.
نعم أنا أشبه الصبار في أشياء كثيرة جدا، لهذا فإن مكتبي في البيت والعمل يسكنه الصبار، وأحب كل ما يتعلق به، وأحتفي به كاحتفاء أهالي المكسيك به.
تخرجت من الثانوية، وأكملت الجامعة، وأصبحت كاتبا، وهو على دراية بذلك، لست أنا فقط بل هو على دراية بمعظم من درسهم. وقد بلغني أنه عندما يتحدث عن طلابه الذين يفخر بهم، يذكرني من بينهم.
اليوم عندما وصلت البيت مساء تذكرت أنه لم يتبق سوى بضعة أيام على السنة الدراسية الجديدة، فتذكرته، وبعثت له رسالة أني بحاجة لمكالمة صغيرة، فاتصل فورا، فعلمت منه أنه تقاعد قبل ثلاث سنوات، وأن التدريس كان أعظم دور قام به في حياته، وأن الفراغ كان كبيرا جدا منذ أن ودع طلابه، فذكّرته أننا لم نزل طلابه حتى هذه اللحظة، وأنه كما يتذكرنا واحدا واحدا، نحن نتذكره كثيرا كثيرا.
