أسعى بعد يوم العيد أن أعود للروتين الخاص بي، والذي أحرص ألّا يُرى في كثير من الأحيان، وأتعامل معه بهدوء ودون توتر أو إزعاج، ودون أن يطال من حولي، وإن دعت الحاجة لكسره، أكسره دون تردد، ولهذا أحب روتيني، وأشتاق له حال الانقطاع والسفر، عائلتي وأصدقائي ومن أحبهم فوق الروتين، أكسر لهم عنقه وأحاول أن ألبي لهم ما يريدونه.
لهذا هناك انسجام وحب وإنجاز كبير على مستوى المشاريع الشخصية، والتي لها قيمة كبرى عندي، في ظل التزامي بوظيفة حكومية تأخذ أغلب الوقت وأغلاه.
لن تنجز قراءة ما إلا مع الروتين، لن تنتهي من كتابك الذي تكتبه إلا إذا أخلصت لروتينك.
ما يقلقني عند تأملي لأحوال بعض من أعرفهم أن لديهم تصور عن شكل الحياة والعيش، ولديهم رعب من الروتين، وفي المقابل هوس كبير بـ “الفلة” وأن كل أيامك من الضروري إثارة الدوبامين فيها، وهذا أمر يخالف الطبيعة البشرية، فالأصل أن الإنسان يسير بمحاذاة العادي، والمألوف، واليومي الطبيعي، لذا الرغبة في القفزات كل يوم نحو الشعور الغامر بالبهجة والانتشاء، والضحكات العالية أمر غير سوي، لأن السعادة هي مجرد ارتباك لحظي في حياة الإنسان وليست هي الأصل.
ولو تأملنا في الحضارة، والفنون، والعلوم، لوجدنا الروتين شرط أساس فيها.
أما عن علاقة الروتين بالكتابة فأجمل نموذج في عالمنا العربي في هذا الباب هو نجيب محفوظ، لدرجة أنه بعث ابنته لاستلام جائزة نوبل ولم يذهب لأنه يرى أن روتينه اليومي هو أولى من الذهاب لاستلام جائزة!
قرأت الأيام الماضية سيرة أندريه أقاسي، وشاهدت قبل ذلك فيلما عن ميازاكي، نماذج تكرس أهمية وعظمة الدأب في الحياة.
شرط الروتين بالنسبة لي هو التعامل معه بحب وقدر، دون تطرف واحتراق، مع كسره كل حين بسفر، أو سهرة جميلة، أو ترفيه محبب.
رغم كل هذا قد ينتاب الإنسان المخلص والحريص على مشاريعه وروتينه بعض الارتباك والتوقف، فهناك المزاج العكر، وما يعتري نفس الإنسان من أحزان وانكسارات، وكذلك بعض الإحباط مما يراه ويشاهده، خاصة ما يحدث في غزة فيظل يحدق في الفراغ بألم وقلة حيلة، وعندها حتى الروتين يفقد المعنى والجدوى، وهذا امتداد للحالة الإنسانية، وهو أمر طبيعي يلازم أصحاب الضمائر الحية، لكن أملنا في الله أن يغير الحال إلى الأحسن، وأن يمن على إخواننا في كل مكان بالسلام والاستقرار، ودوام المحبة.
طابت أوقاتكم.
وكل عام وأنتم بخير
أوافقك الرأي بخصوص الروتين وحتميته .. وصفة نجيب محفوظ للروتين تتجاوز قضية سفره التي كانت لها أسباب أخرى إضافية لتشمل جميع تفاصيل حياته .. الوقت عنه كان يدار بمسطرة دقيقة خاصة أنه بدأ الكتابة بسن متقدم نوعاً .. الروتين هو الايقاع الآمن للحياة والهروب منه قليلاً يعطي مدلولات ملحوظة لمن يرغب في الانتباه لها.
أهلا عامر
نورت المكان يا جميل.