الشتاء يذكرني بأمرين؛ الأول “مطرة” التي كانت تقدم لأطفال النزلة الحليب بالزنجبيل في أيام الشتاء، الصغار الذين يرتجفون في الشارع المقابل لمنزلها، يشاهدونها عبر الباب المفتوح وهي أمام القِدر، الوجه الأبيض الذي يشبه الحليب والسكينة، تحرك الحليب، تجعل بخاره يتصاعد في وجهها ويتخلل شعرها الذي تزينه بعض الشعيرات البيضاء الموزعة بجمال، تنظر إلينا ونحن نرتجف في الخارج بوجوهنا التي نشفها البرد، فتبتسم لنا خلف البخار فتهز رأسها لنا أن تعالوا، فنعبر الباب نحو جنة الدفء.
الثاني “فروة” أبي التي كان يدخلني معه فيها أيام البرد، الفروة الثقيلة، التي كانت تحشرها أمي مع النباتات العطرية وتخرجها في الشتاء، الفروة التي لم أعلم مصيرها بعد أن رفعناها عن أبي قبل موته بليله فنزعها من يدي ابن عمي أحمد في يوم ماطر حتى لا أقطع الشارع فيصيبني البرد.
عندما زرت القاهرة الأيام الماضية، كنت في مقهى “ريش” مع الأصدقاء الذين قرروا فجأة أن يذهبوا لمقهى الـ “جريون” فكنت الوحيد دون شال، فذهبنا للتفاوض مع الباعة حول الشال، أحمد زين الوحيد الذي لم يفاوض، فأشياء الأصدقاء لا تقبل التفاوض.
الآن يذكرني الشتاء بثلاثة؛ حليب “مطرة” و”فروة” أبي” و”شال” أحمد زين.