مضحكة جدا بعض العبارات التي تسمعها من الناس بخصوص العمر، كعبارة: “العمر مجرد رقم” تشعر في بعض الأحيان أنها عبارة تافهة تروجها الرأسمالية من أجل الاستمرار في الاستهلاك.
يواجهون أزمة منتصف العمر بكون العمر مجرد رقم، اذهب وابتاع سيارة فيراري، استمري في عمليات التجميل، اذهب في رحلة حول العالم في ثمانين يوما، اتركي الأسرة أنت حرة، أنت لست شجرة، وهاتك من الخراط الكارثي من فيديوهات التحفيز في الانستغرام.
على مستوى البدن، احترم سنك، لا تتسلق الجبال وأنت في التسعين، بعد أن أمضيت أكثر من ستة عقود وأنت ما بين الكرسي والسرير، لا تسهر لأنك ستخسر اليوم التالي وربما الذي بعده بسبب نزوة صبيانية أوهمتك أنك تستطيع المواصلة، وعندما تسافر لا ترسم لنفسك برنامجا لشاب مراهق يريد أن يساعد قوقل في الوقوف على إحداثيات جديدة على كوكب الأرض، في الحقيقة ستذهب إلى معلم واحد ثم ستعود من أجل غفوة، ثم ستجلس في مقهى تثرثر، نعم الثرثرة هي من متع الحياة التي تبقت لك، هي القيمة الكبرى كلما تقدمت في العمر، أنت ببساطة سوف تتحول إلى “كهلة” تحب شرب قهوة القشر والسوالف أكثر من أي شيء آخر.
لا مجال لتوسيع دائرة المعارف، والصداقات، طاقتك الذهنية والبدنية محدودة، أنت لن تستوعب العدد الهائل من الصداقات التي في أغلبها مجرد وهم وليست صداقات حقيقية.
ميولاتك الرياضية، تحب الاتحاد، وأنت عندك ضغط، لا تتفرج على مباراة بين الاتحاد والهلال من البداية إلا إذا كان متقدما، غير ذلك سوف يرتفع ضغطك، حافظ على صحتك، ولا تهدر مشاعرك.
لكن ماذا عن العالم الجواني؟ هناك الخبرة، والتراكم، والدروس، وأشياء في العمق ينتج عنها الحكمة، والأسلوب الخاص.
الحكمة سوف تجعلك تعرف ما يناسبك وما لا يناسبك، والأسلوب الخاص الذي تكوّن من خلال تراكم السنوات والخبرة سوف يميزك عن غيرك.
والأسلوب الخاص ينعكس على المهن والفن، الرسم، الكتابة، الغناء، الشعر، فتصبح الأشياء أكثر قيمة، وهذا ما نلمسه عند إدوارد هوبر، إبراهيم أصلان، هنري ميلر، فيروز، عباس كورستامي، تاركوفسي، كلينت استوود، أمل دنقل، هؤلاء كانوا ينظرون للعمر كمراحل نحو النضج، واحترام الذات وتقديرها، وقد تحدث عن هذا إدوارد سعيد في “الأسلوب المتأخر” وتاركوفسكي في “النحت في الزمن” لمن أراد أن يستزيد في الموضوع.
لهذا النظر للعمر كونه مجرد رقم هو نوع من التصابي، ووصم الكبار بما فيه منقصة جهل، والحكيم من أدرك قيمة المراحل، وعمل بما تستوجب، وأعمل فكره، ورسم الطريق، وروّض الجموح، ورحب بالرضا كما يرحب بمن يحب.
*الصورة: تاركوفسكي